شنّت تركيا عمليتها العسكرية التي طال انتظارها في شمال سورية في 9 تشرين الأول/ أكتوبر، بهدف تقويض مشروع قسد ووحدات حماية الشعب الكردي بالحصول على حكم ذاتي، لكن المفارقة كانت الدعم الضمني الذي قدّمته إدارة ترامب لهذه العملية. ما هي خطة تركيا في سورية؟ ما هي الأهداف التكتيكية للعملية؟
بالنسبة لأنقرة، يعتبر تعزيز وجود حزب الاتحاد الديمقراطي – الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، المدرج في قائمة المنظمات الإرهابية من قبل تركيا، كذلك الولايات المتحدة، بمثابة أرضية عامة تبرّر حجة مكافحة الإرهاب والدفاع عن الأمن القومي التركي. لم تقبل تركيا أبداً قرار الولايات المتحدة بالتحالف مع وحدات حماية الشعب في الحرب ضدّ داعش، بدلاً من ذلك انتظر الرئيس رجب طيب أردوغان هذه الشراكة الى حين انهيار داعش في سورية ثم بدأ في وضع خطط لغزو عسكري، كذلك لم يوافق على المنطقة الآمنة التي اقترحتها واشنطن بمسافة خمسة كيلومترات ما يعني عدم موافقته الضمنية ان يكون الكانتون الكردي على حدود بلاده، لذلك طالب بمنطقة آمنة لمسافة 32 كلم.
كان الجيش الأميركي في أمسّ الحاجة إلى القدرات العسكرية التقليدية لدى وحدات حماية الشعب في شمال سورية للقتال ضدّ بقايا داعش، والسيطرة على المنطقة من أجل عدم وقوعها في يد الجيش السوري واحتواء القوات الموالية لإيران المتداخلة في الغالب في دير الزور الغنية بالنفط وأمن الحدود في الشرق مع العراق. لكن مع بدء العملية التركية تخشى الولايات المتحدة من تمرّد لـ «وحدات حماية الشعب» والانحياز نحو الدولة السورية وروسيا.
لم يكن بإمكان واشنطن تقييد العملية. أنقرة كانت مصمّمة على البدء بهذه العملية وهي كانت تعدّ لها من ستة أشهر لأسباب داخلية. أولها استياء تركي عام وواسع تجاه حزب العمال الكردستاني، لكون الغالبية الساحقة من المواطنين الأتراك بما في ذلك العديد من الأكراد المحافظين ينظرون إلى حزب العمال الكردستاني كمجموعة إرهابية. وبالتالي، يتمتع أردوغان بدعم واسع في الداخل لاتخاذ إجراءات ضدّ وحدات الحماية الكردية والتشكيلات التي يعتبرها معادية في سورية.
ثانيها، وجود نحو أربعة ملايين لاجئ سوري إذ يرى معظم الاتراك انّ استضافتهم، أدّت مع مجمل قضايا الى الانكماش الاقتصادي الحادّ الذي بدأ عام 2018 وإلى تزايد المشاعر المعادية للاجئين. لقد انقلب الناخبون من الطبقة العاملة، وكثير منهم من أنصار أردوغان، ضدّ اللاجئين السوريين وضدّ أردوغان، وألقوا باللوم عليه. وكانت من النتائج خسارته في الانتخابات البلدية في أكبر مدن تركيا بسبب الواقع الاقتصادي المتردّي، أما الناخبون من الطبقة الوسطى، بما في ذلك كثيرون في المعارضة، يتشكون من اللاجئين بسبب انتشارهم في تركيا بقيمهم الثقافية المحافظة.
أطلقت انقرة «عملية ربيع السلام»، أما التكتيك الأساسي فهو تمثل باختيارها البلدات السورية ذات الغالبية العربية الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب، بما في ذلك رأس العين وتل أبيض لسببين:
أولاً، إنّ العديد من العرب السنة الذين يعيشون تحت إشراف وحدات حماية الشعب يشعرون بالاستياء من السيطرة الكردية والسياسات الثقافية للجماعة التي تفرض عليهم اللغة الكردية، لذلك سيرحبون بالجنود الأتراك ودعمهم.
ثانياً، تريد أنقرة نقل عدد كبير من اللاجئين السوريين إلى المناطق التي تستولي عليها من وحدات حماية الشعب. إلا أنّ نقل بضع مئات الآلاف قد يساعد أردوغان على نزع فتيل التوترات الداخلية التركية بشأن هذه القضية.
هدف أنقرة هو تحويل أجزاء كبيرة من الحدود السورية إلى كتل إقليمية عربية متماسكة وضرب أيّ إمكانية للكانتون الكردي. تحقيقاً لهذه الغاية، هي تعطي الأولوية لعودة العرب إلى رأس العين وتل أبيض.
كيف ستؤثر هذه العملية على المنطقة غرب الفرات؟ كيف سيكون ردّ فعل روسيا وإيران والرئيس الأسد؟ في قمة أنقرة في أيلول/ سبتمبر، كانت إيران وروسيا صامتتين وبطريقة ما أعطتا تركيا الضوء الأخضر. الآن يريدون تطبيق بروتوكول أضنة لعام 1998 بين أنقرة ودمشق والذي يقيّد أنشطة حزب العمال الكردستاني في سورية، وأن تتواصل انقرة مع دمشق بسرعة لاستغلال هذه العملية كميسر لبدء المفاوضات بين العاصمتين.
نظراً لأنّ أولوية روسيا وإيران هي إزالة الوجود العسكري الأميركي بأكمله من سورية، فستتمسكان بسياسة الانتظار والترقب في الوقت الحالي، لكن من المحتمل أن تحاولا الوساطة بين أنقرة و YPG، فيما يصرّح بوتين بانّ على المجتمع الدولي ان يجد حلاً لوجود 12 الف مقاتل من الدواعش في سجون قسد والخوف من تسرّبهم الى الخارج.
تتحرك القوات التركية ببطء مقارنة بتحركها عنددما وضعت يدها على عفرين حسب الخبير العسكري متين غوركان. وهو تكتيك يهدف الى تقويض وحدات حماية الشعب من خلال الوجود العسكري المستدام، وهو يعتبر انه في مرحلة ما، ستقوم الحكومة التركية بإعادة فتح محادثات للسلام مع حزب العمال الكردستاني من أجل وضع حدّ للصراع. ومع ذلك، يبدو أنّ أنقرة تعتقد أنه يجب عليها أولاً إعادة توازن علاقة المجموعة مع وحدات حماية الشعب.
ترى تركيا انه في المرحلة الأخيرة، من العملية سيتمّ بناء مستوطنات كافية في منطقة تمتدّ جنوباً نحو الرقة على الضفة الشمالية لنهر الفرات، وتفترض انه من المحتمل أن تتخلى وحدات حماية الشعب عن كلّ طموحاتها الإقليمية في شمال شرق سورية وأن تتخلى عن المقاومة. لكن في الوقت الراهن تحذر وحدات الحماية من فرار داعش من السجون بسبب هذه العملية وهي تحذّر الدول الغربية.
يضغط الكونغرس على الإدارة الأميركية لفرض عقوبات على تركيا من أجل إطلاق العملية، مما يشير إلى انّ مدة العملية لتحقيق أنقرة أهدافها الأساسية محدودة. لا يعني ذلك أنّ البيت الأبيض سيحاول إيقاف العملية أو التشكيك في أهداف تركيا في سورية. على الرغم من أنّ الإدارة لن تؤيد أو تساعد في العملية، فإنها لن تعارضها عسكرياً أيضاً. وقد استخدم المسؤولون الأميركيون حق النقض بالفعل ضدّ قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في 10 أكتوبر/ تشرين الأول والذي يدين التوغل.
يبدو انّ لقاء ترامب بأردوغان إلى البيت الأبيض في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر قد يكون موعداً نهائياً لأنقرة لكن إذا تسبّب التوغل بخسائر بشرية كبيرة أو مشاكل كبيرة أخرى، فقد يؤدّي ذلك إلى فرض عقوبات صارمة على تركيا من قبل الكونغرس.
|