أعلنت تركيا في 30 أكتوبر أنها بدأت التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، وبدأت بمناقشة إقامة قاعدة بحرية دائمة في الجزء التركي من قبرص أي في شمال قبرص. حيث يتفاقم الازدحام العسكري البحري في المياه الدولية في شرق البحر الأبيض المتوسط بسب الأزمة في سورية والتنافس على احتياطيات الهيدروكربون الغاز والنفط .
التوتر قائم في منطقة شرق المتوسط بين تركيا من جهة ومصر وقبرص واليونان من جهة أخرى. وكانت الدول الثلاث قد وافقت على تأسيس منتدى الشرق الأوسط للغاز في القاهرة من أجل تنسيق سياسات استغلال الغاز الطبيعي.
وقعت مصر اتفاقية مع قبرص في 19 أيلول/ سبتمبر لربط حقل غاز أفروديت القبرصي بمحطات التسييل المصرية لإعادة التصدير كجزء من محاولة مصر التحوّل مركزاً إقليمياً للنفط والغاز. وسيبدأ خط الأنابيب ضخ الغاز إلى المصانع المصرية بحلول عام 2022 بسعة 700 مليون قدم مكعبة سنوياً 19.8 مليون متر مكعب . تركيا على لسان وزير خارجيتها صرّحت بأنها لا تعترف بالاتفاق الموقع في ديسمبر 2013 بين مصر وقبرص لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة وترى أنه غير قانوني لأنه ينتهك الجرف القاري التركي. منعت تركيا سفينة الحفر التي استأجرتها شركة النفط الإيطالية ENI، بحجة ان المنطقة القبرصية تقع في دائرة اختصاص تركيا أو القبارصة الأتراك. تتعاون مصر مع شركات عالمية مثل إيني الإيطالية للبحث عن الغاز والنفط في منطقتها الاقتصادية في شرق البحر الأبيض المتوسط ، أهمية منطقة شرق البحر المتوسط تكمن في وجود احتياطي استراتيجي للغاز الطبيعي يقدر بـ 122 تريليون قدم مكعب 3.45 تريليون متر مكعب . أدى اكتشاف مصر لحقل زهر في عام 2015 إلى تغيير خريطة الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط ، حيث يقدر احتياطي الغاز في الحقل بـ 30 تريليون قدم مكعب 850 مليون متر مكعب . وكانت تركيا قد منعت في السابق عمليات التنقيب عن النفط والغاز في بعض المناطق القبرصية.
من الصعب على تركيا التنافس مع مصر لتصبح مركزًا للطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث بلغ استهلاك تركيا من الغاز الطبيعي 53 مليار متر مكعب 1.8 تريليون قدم مكعب في عام 2017، لم يتجاوز إنتاجها 350 مليون متر مكعب 12.3 مليار قدم مكعب خلال العام نفسه. قبرص يمكن أن تتأثر بأعمال تركيا واستكشاف الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط فخطة مصر لبناء خط أنابيب الغاز مع قبرص يمكن أن تتأثر أيضاً، يمكن لتركيا أن تحظر عملية الإنتاج أو الاستكشاف القبرصية. يتمركز عناصر الاسطول السادس الاميركي وفرق العمل الروسية مع سفنها البحرية كذلك الغواصات البريطانية والفرقاطة الفرنسية في شرق المتوسط وترى تركيا أن إقامة القاعدة البحرية سوف يحافظ على حقوقها ومصالحها وكذلك على مصالح شمال قبرص في شرق البحر الأبيض المتوسط ، ومنع انتهاكات مناطق الطاقة البحرية، وتجهيز شمال قبرص وتركيا بطاقات أقوى في أي مفاوضات قد تستأنف معها وكذلك المحافظة على الحقوق السيادية لتركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط. تقوم غواصة واحدة، وفرقاطة واحدة وزوارق دورية، بمراقبة شرق الجزيرة. علاوة على ذلك، تعمل كورفيت تركية مع قوات الأمم المتحدة في لبنان للكشف عن دخول الأسلحة والمعدّات المحظورة في المياه اللبنانية. وقامت تركيا بنشر قوة بحرية كبيرة من غواصتين و14 سفينة حربية في شرق البحر المتوسط لبعض الوقت. هذه القوة مدعومة حالياً من مرافئ الاسكندرونة ومرسين. وتُوصي البحرية التركية بإنشاء قاعدة بحرية دائمة في شمال قبرص وهي واحدة من أهم التطورات الجيوسياسية في الآونة الأخيرة، بحيث سيتمّ اختصار الوقت اللازم لسفر البوارج التركية إلى مناطق العمليات، وبالتالي تمديد إقامتها في المنطقة. قد لا يكون هناك أي منطق عسكري لإقامة قاعدة بحرية على بعد 40 ميلاً فقط من قاعدة اسكندرون البحرية، لكن تركيا ترى أن الواقع الجيوسياسي يتطلب ذلك. يعتقد خبراء البحرية في أنقرة أن إقامة قاعدة بحرية خارج الحدود التركية سيوفر ثقة بالغة في النفس للبحرية التركية وللقوات المسلحة التركية بأكملها. تشعر أنقرة بالقلق إزاء الأنشطة الروسية وعمليات التفاهم الروسية اليونانية والقبرصية اليونانية والإسرائيلية والمصرية. وهي تريد اتخاذ بعض الخطوات للدفاع عمّا تعتبره حقوقها السيادية. وهذا بدوره سيزيد من حدّة التوترات الحالية في شرق البحر المتوسط. في هذا الإطار دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 4 نوفمبر بعض شركات النفط الأجنبية إلى «قطاع طرق البحر» وحذرهم من القيام بأنشطة التنقيب قرب قبرص. وتسيطر تركيا على الثلث الشمالي من الجزيرة المقسمة وفي الوقت نفسه وقعت قبرص والولايات المتحدة في السادس من نوفمبر الماضي 2017 اتفاقية لتعزيز العلاقات الأمنية الثنائية مع مصر.
ومن المرجح أن تتصاعد التحركات العسكرية فاليونان وإسرائيل ومصر وقبرص تتحالف. وتراه تركيا حلفاً ضدها، لقد كان الخلاف يختمر منذ سنوات ويهدّد الآن بالغليان، خاصة أن بعض الحكومات في المنطقة قد أعلنت مناطقها الاقتصادية الخالصة المتداخلة. أصدرت تركيا اشارات للسفن في المنطقة بأنها ستجري مسوحات زلزالية في شرق البحر الأبيض المتوسط تستمر حتى 1 فبراير، كما بدأت سفينة الحفر المسح الزلزالي التركي البحث عن النفط والغاز. في الواقع، نمت التوترات العسكرية على السيطرة على المصالح الاقتصادية عندما حاولت فرقاطة يونانية منع السفينة التركية، لكن مرافقي البحرية التركية تصدّوا لها.
هدّد وزير الدفاع التركي خلوصي آ كار باتخاذ إجراء عسكري إذا كانت اليونان تعمل على خطط لتوسيع مياهها الإقليمية في بحر إيجة. اجتمع قادة القبارصة أو المصريون واليونانيون في 10 أكتوبر لمناقشة المناطق الاقتصادية الخالصة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط بالقرب من جزيرة كريت اليونانية. وأكد القادة المجتمعون مجدداً التزامهم باستكشاف احتياطي الغاز قبالة ساحل قبرص. أعلنت اليونان في 20 اكتوبر استعدادها لتوسيع مياهها الإقليمية من 6 أميال بحرية الى 12 ميلاً بحرياً حول جزيرة كريت في البحر الأيوني، مما يوسّع سيادة اليونان غربًا. تعتقد أنقرة أن جهود اليونان لتوسيع مياهها الإقليمية حول جزيرة كريت هي في الواقع خطوة على تحويل مشكلة المياه الإقليمية لبحر إيجه، فإذا استمرّ التنافس على تقاسم احتياطيات الهيدروكربون، فإنه يمكن أن يمتد إلى المياه الإقليمية وقضايا السيادة، مما سيؤدي إلى تصعيد التوترات. أصدرت شركة Cypus تصاريح استكشاف لشركة الطاقة الفرنسية العملاقة Total SA وإيطاليا Eni SpA وExxonMobil وشركة American Noble Inc .
وستبدأ شركة إكسون موبيل التي مقرها الولايات المتحدة الحفر ومتوقع وصول سفينة الحفر المؤجرة في إكسون موبيل في 12 نوفمبر في قبرص. المفاوضات على وشك الانتهاء على خط أنابيب الغاز الطبيعي المعروف باسم EastMed، وهو مشروع يفضّله الاتحاد الأوروبي كطريقة لتنويع موارده من الطاقة. وسوف ينقل خط الأنابيب البحري والخارجي الغاز من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى اليونان عبر قبرص وكريت. وعبر خطوط أنابيب أخرى، سيتم نقل الغاز إلى إيطاليا وبلدان أخرى في جنوب شرق أوروبا. وقد عززت مشاركة «إيني» «وتوتال» من التنبؤات بأن الغاز الطبيعي المنتج من حقلي تمار وليفياثان في المياه الإقليمية الفلسطينية المحتلة، ومصر وجنوب أفروديت القبرصي يمكن أن يصبح مصدراً بديلاً لإمدادات الغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي. هذه الدول تتعاون في مجال الطاقة. المشكلة الأساسية هنا هي أن تركيا لم تشارك في هذا التعاون، لأن أنقرة لا توافق على المطالبات القبرصية في تلك المنطقة. لا تقبل تركيا بالاتفاقات التي أبرمتها قبرص مع مصر ولبنان و«إسرائيل» لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة، كما تقول أنقرة بأنها ستنتهك حقوقها. على الرغم من أن أنقرة ليست جزءًا من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، فإن الاتفاقية تدعو إلى تحديد حدود المناطق الاقتصادية الخالصة لبلدان شرق البحر الأبيض المتوسط على أساس مبدأ السيادة، لكن يبدو أن تركيا ستعلن عن منطقة اقتصادية خالصة في عام 2019 وهذا ما تقوم به الجهود الدبلوماسية في أنقرة وأثينا ونيقوسيا.
على الرغم من صراخ أردوغان الإعلامي الذي يحاول إظهار بطولات تركيا في صراعها مع اليونان إلا أنها تفاوض بعد أن وجدت ان الاستعراضات العسكرية البحرية التركية ستصطدم بالشركات الأوروبية والأميركية وليس فقط باليونان ومصر.
|