لا يمكن إحصاء المشاكل التي تواجهها أنقرة داخلياً، إقليمياً، ودولياً، وهي لا تنحصر في الموضوع القطري الذي تعتبره رسالة سياسية لها من واشنطن، قبل اتهامها من وزير الخارجية الإماراتي بالتدخل في الشوؤن الخليجية والإشارة إلى دعمها الإرهاب. وكانت «العربية» السعودية قد عبّرت عن عدم رضاها عن خطوة تركيا إرسال جنود أتراك الى القاعدة التركية في الدوحة فاعتقلت اثنين من المراسلين من الشبكة التركية «تي ار تي» العالمية المملوكة للدولة التركية، أثناء تغطيتهما زيارة وزير الخارجية جافوز اوغلو الى السعودية، منذ أكثر من أسبوعين، لكن تمّ إطلاق سراحهما لاحقاً، وتؤشر هذه الخطوة الى رفض السعودية الوساطة واعتبارها تدخلاً في شؤون البيت الخليجي. اتضحت الصورة أكثر عندما قدمت لائحة شروط الى قطر من أجل تنفيذها تتضمن بنوداً تعني في طياتها فك عرى العلاقة السياسية والايديولوجية والعسكرية بين قطر وتركيا.
اختار أردوغان الوقوف إلى جانب الدوحة. فتركيا وقطر ترفضان اعتبار جماعة الإخوان وحماس إرهابيتين. يبدو واضحاً لتركيا أن هذه الأزمة هي أكثر من اتهام لقطر بالإرهاب. المسألة هي كيفية التعامل مع حركات الإسلام السياسي، مع جماعة الإخوان المسلمين وحماس، إذ يمكن إضافة حزب العدالة والتنمية إلى تلك القائمة، بسبب جذوره في الإسلام السياسي.
اختار دونالد ترامب اللعب على وتر المسلم الصالح والمسلم الإرهابي فدعم السعوديين. وأكدت تصريحات تيلرسون في الكونغرس منذ أسبوعين أن عناصر من جماعة الإخوان المسلمين أصبحوا جزءاً من الحكومات وأعطى تركيا مثالاً. افتراض تيلرسون الصلة بين الإخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ليس زلة لسان، ولا يمكن أن يعامل على أنه خطأ بسيط. وهو يؤشر الى نيات واشنطن تجاه اردوغان.
اما على صعيد العلاقة مع أوروبا، فلقد رفضت الحكومة الالمانية طلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إقامة اجتماع سياسي للألمان الأتراك على هامش قمة مجموعة الـ 20 فى هامبورغ. وقال وزير الخارجية الالماني سيغمار غابرييل إنها ليست فكرة جيدة لأن المانيا لا تريد استجرار الصراعات التركية الى أراضيها.
وكان رئيس البرلمان الأوروبي السابق مارتن شولز قد دعا الى فرض حظر تامّ على اجتماعات اردوغان، لأنه لا يجب أن يكون للسياسيين الأجانب، الذين لا يتجاوبون مع القيم الأوروبية منبر، لكون اردوغان يحتجز منشقين وصحافيين في تركيا.
تشهد العلاقات التركية الألمانية تشنّجات ومشاكل خطيرة. ففي الفترة التي سبقت استفتاء تركيا على النظام الرئاسي في 16 نيسان/أبريل، رفضت الحكومات الأوروبية وبالتحديد البلديات الألمانية عقد اجتماعات انتخابية لحزب العدالة والتنمية مع الأتراك المهاجرين إلى المانيا. اتهم أردوغان حينها ألمانيا ودولاً أوروبية أخرى «بالممارسات النازية» وبانتهاك خطير للآداب الدبلوماسية.
ساهم التراشق الكلامي بين أردوغان وألمانيا. بتصعيد خطير في العلاقة بين البلدين، إذ منعت الحكومة التركية الوفود البرلمانية الألمانية من زيارة القوات الألمانية في قاعدة انجرليك الجوية التي تقوم بعمليات ضد داعش. وكردّ على هذا المنع صوّت البرلمان الألماني في حزيران 2016 على الاعتراف بالإبادة الأرمنية وعمليات الترحيل القسري خلال الحرب العالمية الأولى. من جانبها قامت تركيا بدعوة القوات الألمانية إلى مغادرة أنجرليك ونقل عملياتها إلى الأردن في أوائل حزيران.
وكانت لجنة الشؤون الخارجية التابعة للبرلمان الأوروبي قد قرّرت في 20 حزيران اعتماد مشروع منقح لتقرير تركيا السنوي للعام الماضي 2016، الذي أغضب الحكومة التركية حينذاك.
وكانت اللجنة قد شدّدت في هذا التقرير على أن التعديلات الدستورية فى تركيا التى تمنح صلاحيات غير عادية للرئاسة لا تتماشى مع معايير كوبنهاغن التي تستخدم لتحديد مدى استعداد البلاد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ودعت الدول الاعضاء الى تعليق محادثات الانضمام رسمياً مع تركيا إذا تمّ اعتماد تعديلات في النظام، وكانت اللجنة قد طلبت من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعلان إلغاء نتائج الاستفتاء في 16 نيسان/ أبريل 2017 بسبب الشوائب التي حصلت، ورغم أنه جرى الطعن بمصداقية الانتخابات إلا أن الطلب كان مرفوضاً، كما أن تنفيذ نتائج الاستفتاء هو مسألة وقت أي في العام 2019.
اتنقد الاتحاد الأوروبي إعادة تجديد حالة الطوارئ في تركيا والاعتقال التعسفي لآلاف المواطنين، بمن فيهم البرلمانيون ورؤساء البلديات، وكان متوقعاً أن تأخذ الحكومة التركية توصيات لجنة فينيز على محمل الجدّ، فضلاً عن حقيقة أن نصف السكان الأتراك صوّتوا ضد التغييرات في الاستفتاء،
إلا أن اردوغان رفض تقرير اللجنة واعتبر انها لا تساوي الحبر الذي كُتبت به.
بالرغم من هذه التوترات سيحضر الرئيس التركي اجتماع مجموعة الـ 20 في هامبورغ. وستكون هذه الزيارة اول زيارة له الى البلاد منذ تشبيهه ممارسات الحكومة الألمانية بالنازية، من المحتمل أن تقوم احتجاجات من بعض المجموعات التركية والكردية، لكن الشرطة الألمانية أنذرت أنها لن تسمح بتكرار ما حدث مؤخراً في واشنطن، حيث هاجم حراس أمن الرئيس التركي المتظاهرين السلميين ما حمل السلطات الأميركية على إنفاذ القانون الأميركي عليهم ـ لذلك يتم التركيز على أردوغان والوفد المرافق له.
اما في الداخل فلقد نظم زعيم المعارضة التركية كمال كليتشيدار أوغلو «مسيرة من أجل العدالة» من أنقرة إلى اسطنبول بدأت في 15 حزيران. ومن المتوقع أن تستغرق المسيرة 23 يوماً. وهي تهدف الى تحريك المعارضة. ويمكن أن ينزل الآلاف من أعضاء المعارضة الى اسطنبول في منتصف تموز أن سمح لها أردوغان. ومن المحتمل أن يرسل قوات الأمن لمواجهة حشود المسيرة سلمياً.
فيما تجري الحكومة الاستعدادات للتظاهرات الضخمة التي يقوم بها الموالون لأردوغان لإحياء ذكرى «الشهداء» والاحتفال بتعزيز قبضة أردوغان على السلطة بعد انقلاب 15 تموز 2016 الفاشل، يتم البدء بالمحاكمة الأولى التي تضم صحافيين بارزين متهمين بالانضمام إلى حركة غولن، التي يزعم أنها حرّضت على الانقلاب.
Top of Formوكانت صحيفة واشنطن بوست في 28 حزيران قد أوردت أن الحكومة التركية طلبت من شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر» اغلاق صفحة مايكل روبين. وهو خبير في الشرق الأوسط في معهد المؤسسة الأميركية في واشنطن، وناقد لأردوغان، ومنعه عن الشبكة الاجتماعية. وفي أوائل حزيران، قدّم أردوغان شكوى جنائية في تركيا ضد روبين بسبب اتصالاته المزعومة مع رجل الدين التركي فتح الله غولن الذي يقع مقرّه في بنسلفانيا، والمتهم بتدبير محاولة الانقلاب التى وقعت في الصيف الماضي في تركيا.
|