عاملان اثنان يمكنهما التأثير في الانتخابات النصفية الأميركية… العامل الاقتصادي وهو على تحسُّن مستمرّ والتوترات الاجتماعية والسياسية التي تفرّق الأميركيين، وعليه سيقرّرون انْ كانوا يريدون إعطاء الرئيس دونالد ترامب مزيداً من الحرية في اتخاذ القرارات او تقييده.
لكن من غير المرجح أن تحدد سياسته في الشرق الأوسط نتائج هذه الانتخابات. لكن يمكن تقييم سياسته وتقييم المسارات التي عليه اتخاذها، إذ يرى بعض المحللين الغربيين انه حقق نجاحاً جزئياً في سورية بالنسبة الى قتال داعش وانسحب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات صارمة من جانب واحد، من أجل توليد المزيد من الضغوط على النظام والاقتصاد الإيراني مع استعادة العقوبات النفطية كاملة.
لا شك في أنّ ترامب يتمتع بشعبية واسعة في «إسرائيل»، وهي نتاج دعمه وعلاقته الحميمة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وبسبب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ونقله للسفارة الأميركية إلى القدس. كما انّ علاقاته المميّزة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن، دفعت الى حملة التطبيع بين «إسرائيل» وبعض الدول العربية. لكن يمكن القول إنّ قدرة ترامب على تحقيق أهدافه ستختبر في عام 2019. فهل من تغييرات ستطال منطقة الشرق الاوسط في الفترة المقبلة؟
جاء مقتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي، في أعقاب العثرات السعودية مع قطر ولبنان وكندا، والحرب المدمّرة في اليمن، ما يثير تساؤلات حول الثقة بفعالية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي من المفترض أن يشكل الحاضنة الاستراتيجية للائتلاف الإقليمي المناهض لإيران الذي تقوده الولايات المتحدة. فسياسة ترامب تجاه المملكة ستكون واحدة من المناقشات الأساسية في الكابيتول في السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر.
أعطى كلّ من ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو إشارات قوية بأنهما سيعملان مع الكونغرس لتطبيق عقوبات جلوبال ماجنيتسكي على المسؤولين السعوديين المتورّطين في قتل الخاشقجي. عند هذه النقطة، سيكون السؤال الرئيسي هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ترى محمد بن سلمان متورّطاً رسمياً.
من المحتمل جداً أن تدعو لجان المخابرات في مجلس الشيوخ رئيسة الاستخبارات في الـ «سي أي آي» هاسبيل إلى جلسات مغلقة للإدلاء بشهادتها حول الأدلة التي شاركتها في تركيا حول مقتل الخاشقجي. إذا حدث ذلك، فيمكننا أن نكون على يقين من أنه سيتمّ تسريب تفاصيل ثمينة عن شهادتها.
قد يكون ظهور هاسبيل أمام اللجان في الكونغرس الأميركي استراتيجية خروج، يتمّ تشكيلها بصمت بين أنقرة والرياض وواشنطن.
طلب بعض السيناتورات من ترامب يوم الأربعاء وقف المحادثات لتزويد السعودية بالتكنولوجيا النووية الأميركية بعد مقتل الخاشقجي. الرفض الشامل للموافقة على أيّ اتفاقية نووية مدنية مع الرياض – مهما كانت قوية – هو تصعيد ملحوظ في خطاب الكونغرس إذا اتفقت واشنطن والرياض، فإنّ لدى الكونغرس الفرصة لنقضه. أمر الكونغرس إدارة ترامب بإطلاق تحقيق فيدرالي حول وفاة الخاشقجي، الأمر الذي قد يؤدّي إلى فرض عقوبات على كبار المسؤولين السعوديين. دعوة وزير الخارجية مايك بومبيو إلى إنهاء الأعمال العدائية في اليمن أتت بسبب تهديد الكونغرس بإصدار تشريع يقضي بإنهاء الدعم الأميركي للحرب التي تقودها السعودية ضدّ الحوثيين.
في خضمّ هذه الأحداث المهمة تبدو روسيا حذرة ففي 25 تشرين الأول دعا الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واتفق الطرفان على «تحديد شروط مثل هذه الزيارة من خلال القنوات الدبلوماسية». كما ناقش بوتين وسلمان القضايا المتعلقة بالمزيد من التطوير. التعاون الثنائي متعدّد الأوجه، بما في ذلك في قطاع الطاقة، «بالإضافة إلى سورية والوضع في الشرق الأوسط بشكل عام». وقال المتحدث باسم بوتين إنّ سلمان أبلغ بوتين الإجراءات التي اتخذتها المملكة للتحقيق في مقتل الخاشقجي وتقديم المسؤولين عن ذلك إلى العدالة.
كان بوتين قد انتقد الولايات المتحدة في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، في المؤتمر السنوي لنادي فالداي للمناقشة في سوتشي، وأشار الى أنّ الولايات المتحدة مسؤولة جزئياً عما حدث. بما أنّ الخاشقجي كان مقيماً هناك و»اختار ذلك البلد كمأوى له».
لا تريد روسيا إفساد علاقاتها مع المملكة العربية السعودية دون معرفة تفاصيل الحادثة. أدّى مقتل الخاشقجي إلى قيام العديد من الدول والشركات الغربية إما بسحب أو الحدّ من مشاركتها في مبادرة الاستثمار المستقبلي التي استضافتها السعودية والتي عقدت في الرياض في الفترة من 23 إلى 25 تشرين الأول/ أكتوبر. لكن روسيا، على العكس، وسعت مشاركتها. فقد حضره ثلاثون من رجال الأعمال، معظمهم من كبار المديرين في الشركات الروسية الرائدة. قدّر السعوديون الرسالة السياسية التي أشارت إليها موسكو، وأعادوا التأكيد على نية سابقة لمناقشة إمكانية استثمار 5 مليارات دولار في مشروع القطب الشمالي للغاز الطبيعي المُسال.
ترى موسكو انّ ثلاثة عناصر تحكم موقف أردوغان. أحدها عداء سعودي – تركي عميق متأصّل بدوافع تاريخية وايديولوجية وجيوسياسية بالإضافة إلى صراعه من أجل التأثير في العالم السني. والثاني هو قلق أردوغان من الدور الذي يمكن أن يلعبه الأمير محمد في تحديد مصير الشرق الأوسط المستقبلي. والثالث هو غيرة أنقرة حيال علاقة الرياض بواشنطن وكيف يمكن أن يؤدّي ذلك في نهاية المطاف إلى تقوية الموقف السعودي في المنطقة، وإضعاف تركيا.
لذلك قام بتسريب القصة على مراحل من أجل تقويض مكانة ولي العهد في عيون الرئيس دونالد ترامب، وتصويره أنه شريك لا يمكن الاعتماد عليه وحتى خطير، وإضعاف المطالبة السعودية بالقيادة الإقليمية. الفكرة هي أنّ تركيا يمكن أن تظهر كشريك أكثر صلابة وتأثيراً من المملكة العربية السعودية:
رأت موسكو أنّ قضية الخاشقجي هي مزيج من الفرص المحتملة. فإنّ النتيجة النهائية هي أنّ الحادث كان قضية مسيّسة إلى حدّ كبير يتمّ استخدامها من أجل شتى الضغوط السياسية بين البلدان المعنية. وبما انها مهتمة بالمنطقة اهتماماً قوياً وطويل الأجل، فسيكون من الحكمة ان تكسب المزيد مع جميع الأطراف من خلال عدم التدخل.
|