القاعدة الأساسية للديمقراطيات التعددية تقضي بخوض الانتخابات وقبول نتائجها وترك المقاعد للفائز، لكن هذا المبدأ الأساسي اهتز في تركيا منذ حزيران 2015 ، عندما قلب اردوغان الطاولة على نتائج الانتخابات البرلمانية وذهب الى الاعادة في تشرين الثاني /نوفمبر من السنة نفسها، بعد ان عمل على استغلال عاملين اثنين هما فشل محاولات الائتلاف تاريخياً بين الأحزاب التركية والوضع الامني الذي استفحل في ذلك الوقت مع هجمات سروش وانقرة من قبل داعش والصراع مع حزب العمال الكردستاني بعد أن اغلق الطرفان صفحة الحوار.
في 4 ابريل 2019 أعلن مجلس انتخابات محافظة أنقرة مرشح حزب الشعب الجمهوري منصور يافاش رئيساً للبلدية. كانت نتيجة الانتخابات «بعيدة عن تلبية توقعات مسؤولي حزب العدالة والتنمية. لكن جاء قرار مجلس محافظة إسطنبول للانتخابات بإعادة عدّ الأصوات بعد فوز مرشح المعارضة اكرم إمام أوغلو، لا أحد يريد أن يكون في مكان مسؤولي المجلس الاعلى للانتخابات على مستوى المقاطعة ولا أن يعمل تحت هذا الضغط، من يدري العواقب؟ الاعتراض هو بلا شك حق ديمقراطي. المشكلة هي أن حكام حزب العدالة والتنمية، الذين ظلوا في السلطة لمدة 17 عامًا، قد وقعوا في هوس هذه السلطة. حالة الذعر كانت واضحة لدى فريق الانتخابات، الذي يتحمل مسؤولية خسارة الرئيس رجب طيب أردوغان خمس مدن رئيسية، بما في ذلك اسطنبول وأنقرة، لمصلحة حزب الشعب الجمهوري.
يمكن أن يكون النظام الرئاسي وممارسته جزءاً من هذه الخسارة لم تستطع ملكية وسائل الإعلام بنسبة 90 في المئة من التأثير على الناخبين وإيقاف بعض الحقائق. يحاول فريق داخل حزب العدالة والتنمية حماية مقاعده في اسطنبول، وأنقرة والطعن بالنتائج. أصر الحزب على وجوب إعادة فرز جميع الأصوات غير الصالحة. لكن من المتوقع الا يغير الامر النتائج، بل يمكن ان يحدث كما حصل في الـ 2015 عبر القول بوجوب إلغاء هذه «الانتخابات المثيرة للجدل وتكرارها». ربما يمهدون الطريق لهذا القرار. كذلك يمكن للمجلس الانتخابي الأعلى أن يقرر هذا الامر، وهم يعرفون جيدًا أنه لا يمكن الطعن، ولكن هل يتخذ المجلس هذا القرار؟ حتى لو كانت هناك بروتوكولات انتخابية موقعة من كل دائرة انتخابية، فما الذي يمكن فعله إذا جاء الأمر من الأعلى؟ لا شك في أنه يجب أن تكون عملية إعادة الفرز شفافة ويتم تنفيذها في ضوء أدلة جادة وكافية وأن يثبت المجلس الأعلى استقلاله وحياده من خلال احترام تصويت كل مواطن.
لم يدع اردوغان الأمر دون تعليق وحاول تطمين جماعة الحزب المعترضين على فوز المعارضة بقوله لو ظهر عمدة المعارضة كفائزين، فسيواجهون صعوبة في أداء خدمتهم لأن غالبية المجالس البلدية أعضاء في حزب العدالة والتنمية. انتقد الولايات المتحدة والدول الأوروبية، متهماً إياهما بالتدخل في الشؤون الداخلية لتركيا وقال إن إقبال الناخبين الأتراك الكبير شكل «درساً ديمقراطياً للعالم». ممثلو غرف الأعمال التركية اجتمعوا يوم 5 أبريل وأصدروا تمنياتهم بضرورة القيام بالإصلاح الهيكلي في المجال الاقتصادي في فترة تقل عن خمس سنوات مقبلة قبل الانتخابات المقبلة. اجتمع المصدرون والصناعيون وممثلو جمعيات رجال الأعمال في اجتماع في اسطنبول للمجلس الاستشاري لوزارة التجارة وأجمعوا على ضرورة كشف وزير الخزانة والمالية بيرات البيرق صهر الرئيس عن خريطة طريق اقتصادية جديدة الأسبوع المقبل.
في هذه الأثناء تقوم مجموعة رجال الاعمال الاتراك بالإعداد لإقامة المؤتمر السنوي للمجلس الأميركي التركي. وهو جمعية رجال أعمال مقرها في فرجينيا برئاسة مستشار الأمن القومي السابق في إدارة باراك أوباما جيمس جونز، الذي قام بتعيين أحد الخبراء من اجل «دعم العلاقات العامة» قبل المؤتمر السنوي حول علاقات الولايات المتحدة مع تركيا. يأتي المؤتمر في وقت دقيق للعلاقات الأميركية التركية حيث دعا نائب الرئيس مايكل بينس تركيا في قمة لحلف شمال الأطلسي لعدم شراء نظام دفاع صاروخي روسي، في حين أوقف البنتاغون تسليم المعدات التي ستحتاجها تركيا في تشغيل الطائرات المقاتلة من طراز F-35 . ويزيد من التوتر بين البلدين الموقف الاميركي في سورية وحمايته لوحدات الحماية الكردية وللخلافات القائمة منذ فترة طويلة حول رجل الدين المنفي فتح الله غولن، الذي تتهمه تركيا بالوقوف وراء محاولة الانقلاب لعام 2016 .
من المقرر أن يتحدث جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة عن «التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وتركيا وحلف شمال الأطلسي والاستقرار الإقليمي». ومن بين المسؤولين الآخرين في إدارة دونالد ترامب وزير التجارة ويلبر روس، وكيل وزارة الخارجية لشؤون الشؤون السياسية ديفيد هيل، ونائب وزير الطاقة دان برويليت. وسيتحدث أيضاً صهر أردوغان البيرت بيرق، وزير المالية في البلاد. هذا المؤتمر يشكل رافعة بالنسبة الى تركيا لجلب الاستثمارات وتحسين العلاقات التجارية مع واشنطن.
|