تصطدم إرادة تركيا بسياسات الغرب عموماً، إذ أصبح واضحاً بعد اجتماع رؤساء الأركان الثلاثة الأميركي والتركي والروسي في انطاليا انّ الأمور تتجه الى تثبيت الاختلافات العميقة، إذ لا زالت تركيا تطالب الولايات المتحدة بالتخلي عن قوات سورية الديمقراطية ووحدات الحماية الكردية لكونها جزءاً من حزب العمال الكردستاني فيما تحاول واشنطن التمييز بين الطرفين.
لم يكن مستغرباً نشر الأميركيين وحدات المدفعية في سورية تحضيراً لعملية الرقة، مما يعني أنّ الولايات المتحدة قد لا تسأل عن التعاون التركي حتى لا تسبّب المزيد من التعقيدات، أما «المنطقة الآمنة» في سورية التي طلبتها تركيا من المجتمع الدولي فستكون على الحدود الأردنية، وليست على الحدود التركية. لم تتغيّر سياسة الإدارة الحالية عن سياسة سابقتها، فالبنتاغون هو الذي درس الخطة وقدّمها مع فارق زيادة عدد وعديد الجيش الأميركي بـ1000 من وحدات المارينز. اما القوات الروسية فتظهر حول منبج الى جانب قوات الدفاع الذاتي.
يهدّد وزير الخارجية التركي بانّ قوات درع الفرات ستدخل منبج، ويصرح انّ تركيا كانت قد أعلنت انّ هدفها المقبل سيكون منبج لدفع قوات الحماية الكردية الى الشرق من نهر الفرات، وأنّ روسيا ضغطت على المجموعة الكردية السورية لنقل السيطرة على المنطقة إلى الحكومة السورية في حين نشرت الولايات المتحدة المزيد من القوات في المنطقة نفسها في محاولة لوقف العملية التركية المحتملة. ومع ذلك، أشار إلى أنّ نشر وحدات الحماية الكردية في منبج كانت قضية بين تركيا والولايات المتحدة وليس مع روسيا، مؤكداً حساسية تركيا في ما يتعلق بوجود «جماعة إرهابية» على الجانب الآخر من حدودها، وهي قضية حساسة بالنسبة الى تركيا.
تتهم تركيا الإدارة الأميركية السابقة وبعض المستشارين الذين لا يزالون يمارسون أعمالهم في الإدارة الحالية في إشارة إلى بريت ماكغورك والقوات الأميركية المركزية بأنهم يريدون استبعاد تركيا من عملية الرقة ويدعمون الأكراد و«قوات سورية الديمقراطية». وهي ترى انّ الإدارة الحالية مشوّشة لكونها لا تعمل بوحي من الشراكة التركية الأميركية، بينما تركيا تريد وحدة الأراضي السورية وهي لن تبقى في منطقة الباب بعد أن حرّرتها من داعش، ولا تريد التقسيم في العراق، وهي وانْ دعمت البرزاني في اقليم كردستان فهذا من ضمن الوحدة وهي ضدّ استقلاله عن العراق.
أعاد أردوغان طرح موضوع سورية على بساط البحث مع بوتين أثناء زيارته روسيا مع وفد من الوزراء ورجال الأعمال، كما جرى نقاش الترتيبات بالنسبة الى أستانة وجنيف. شدّدت روسيا على مواضيع اقتصادية وتجارية طرحت مصالح مشتركة تتعلق بأنابيب ستريم التركي لنقل الغاز الروسي إلى جنوب أوروبا وبناء محطة أخرى للطاقة النووية في تركيا، فيما صعّدت الدول الأوروبية موقفها ضدّ تركيا، إذ دعت لجنة المتابعة للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا الى إضافة تركيا إلى قائمة الدول التي تعتبر غير ديمقراطية بعد أن ألغت مختلف الدول الأوروبية التجمعات المنظمة، المؤيدة للاستفتاء في تركيا حول الدستور الرئاسي والتي يشارك فيها السياسيون الأتراك.
أتت هذه الدعوة بسبب الموجة العارمة من عمليات التطهير التي اجتاحت تركيا، مع إقصاء ربع القضاة وأعضاء النيابة العامة، وعشر قوات الشرطة، و30٪ من الدبلوماسيين ومع إقالة 5000 من الأكاديميين من دون اللجوء إلى القضاء. كما أعربت الجمعية عن القلق حيال الاعتقالات الواسعة النطاق من الصحافيين ورفع الحصانة عن 154 عضواً من أعضاء البرلمان.
جاء المقترح في الوقت الذي حذّرت فيه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أنّ سياسة تركيا تجاه الديمقراطية القانون أصبحت إشكالية في تعاون البلاد المستقبلي مع الاتحاد الأوروبي.
وحثّت اللجنة تركيا لرفع حالة الطوارئ في أقرب وقت ممكن، ووقف نشر المراسيم بقوانين تتجاوز الإجراءات البرلمانية، وإطلاق سراح جميع البرلمانيين المعتقلين والصحافيين في انتظار المحاكمة، إلا إذا أدينوا.
ورداً على منع السلطات المحلية في كولونيا تجمّعاً من أجل الاستفتاء على النظام الرئاسي في تركيا وصف الرئيس التركي أردوغان المانيا بالنازية وهي مسألة تعتبر حساسة سيكولوجياً وسياسياً بالنسبة للألمان، لكن ردّ فعل المستشارة الألمانية ميركل، وهي الأكثر نفوذاً في أوروبا، جاء استيعابياً لأردوغان، وقالت إنّ القادة الأتراك يستطيعون تنظيم التجمّعات في ألمانيا للاستفتاء في تركيا على الرئاسة التنفيذية انْ أخطروا السلطات في الوقت المناسب وبطريقة تحترم القانون الألماني. اعتبرت الصحف الالمانية هذه السياسة خاطئة، لأنها تمكن أردوغان من الفوز وليس الخسارة، فهي حوّلته مضطهداً من قبل ألمانيا التي يعيش فيها 3 ملايين تركي، وهكذا يمكن للرئيس التركي أن يسجل نصراً ساحقاً لدى مؤيديه الذين يرون انه استطاع ان يجبر ميركل على التراجع. وقالت إنّ هذه السياسة ستقود المستشارة الالمانية ميركل التي تحكم منذ 2005 الى الخسارة امام مارتن شولتز الرئيس الجديد للحزب الديمقراطي الاجتماعي. اعتبرت دير شبيغل الالمانية أنّ خوف ميركل من إلغاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صفقة اللاجئين والسماح لجماهير من المهاجرين لتشق طريقها إلى ألمانيا قد قيّدت سياساتها تجاه الرئيس التركي، وقد حان الوقت للتوصل إلى حلّ أوروبي، وترى ان الرئيس التركي يريد أن يأخذ ميزة لدى المانيا وهي حرية التجمع والتعبير لتعزيز القضاء على الحريات المدنية في تركيا..
ليس من مصلحة الطرفين تسعير الخلاف، فأوروبا تعتبر سوقاً للتصدير التركي الذي يتراوح حجمه بين 46 و47 بالمئة، والمانيا هي المستورد الاول للبضائع التركية وهي تعاقب تركيا أردوغان منذ أكثر من سنة، فالسياح الألمان لا يزورون تركيا ويبدو أنهم وجهوا رحلاتهم الى اليونان وقبرص ومصر هذه السنة. أنقرة الغاضبة مع العديد من البلدان الأوروبية ترى ان هذه الأخيرة تتساهل مع انشطة مجموعات تابعة لحزب العمال الكردستاني السياسية، كذلك هي تتساهل تجاه أنصار طالبي اللجوء من جماعة فتح الله غولن، الذي تتهمه انقرة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز 2016.
تواجه تركيا موجة جديدة من الانعزال اوروبياً، وهي تعتبر ان الاتحاد الاوروبي يعيش «أردوغانوفوبيا»، لا سيما مع استمرار جدول أعمال أردوغان الشخصي ومنهجه الغاضب الذي يثير مخاوف بشأن أسلوب الرئاسة التنفيذية التي يريد الحصول عليها عن طريق الاستفتاء في 16 نيسان المقبل. وهو يلوّح بأنه سيستبدل العلاقة مع الاتحاد الأوروبي بتقوية علاقته التجارية مع بريطانيا بعدما كان على خلاف مع رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون.
|