أتى ترحيب الولايات المتحدة الأميركية بعرض حكومة إقليم كردستان تعليق نتائج استفتائها على الاستقلال وفتح حوار مع بغداد كوسيلة لتخفيف الأزمة المتصاعدة بين حليفيها فى الحرب ضدّ داعش حثّ وزير الخارجية ريكس تيلرسون اربيل وبغداد، في رحلة مفاجئة إلى العراق عليه، وأعرب عن قلق واشنطن من الخلافات التي ظهرت بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية العراقية بتشديده على التزام الطرفين بعراق موحّد، وأعرب عن أمله بمعالجة المسائل العالقة عبر حوار حول الدستور.
اقترحت حكومة اقليم كردستان فى بيان يوم 25 تشرين الأوّل/ أكتوبر وقف إطلاق النار وتجميد نتائج استفتاء الانفصال والبدء في حوار مع الحكومة الفيدرالية العراقية. لكن كلاً من تركيا وبغداد أصرّت على إلغاء نتائج الاستفتاء وليس تجميده فقط.
وكانت القوات الحكومية العراقية قد استولت على مدينة كركوك المتنازع عليها وأغلقت المجال الجوي الكردي وسيطرت على معابر الحدود الكردية الرئيسية. فأدرك رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود البرزاني وقيادة حكومة الإقليم أنهم يفقدون الأرض، وأنّ التوقيت كان خاطئاً والوقت المباغت لم يُسعفه. فالقيادة الكردية العراقية حاولت فرض أمر واقع من دون أيّ سند، اما القوات العراقية فهي أحرزت تقدّماً في قتالها واستولت على الأرض والفضاء، الأمر الذي أضرّ بحكومة الإقليم، وجاء العرض الكردي بعد ان قام العبادي بجولة فى العواصم الإقليمية بدءاً من زيارته للمملكة العربية السعودية للاجتماع الافتتاحي لمجلس التنسيق السعودي العراقي الذي حضره تيلرسون ايضاً.
ترى واشنطن أنّ العرض الكردي أثبت أنّ حيدر العبادي الذي جال الدول العربية وإيران وتركيا ليس مرتبطاً بدولة بعينها، سواء كانت الولايات المتحدة أو إيران، وأنه رئيس وزراء يعمل في زمن الحرب من أجل وحدة أراضي العراق، أما مسعود البرزاني فهو أدرك أنّ هناك عقبات هائلة أمامه تمنعه من مواصلة مشروع الانفصال، وهو يأمل أن يوافق العبادي على السماح لأسرته بمواصلة العمل كقوة في حكومة إقليم كردستان. فموقف البرزاني بعدم التراجع عن الاستفتاء جعله يخاطر بمستقبل عائلته السياسي، لكنه لا يستطيع تخيّل كردستان من دون الوجود والنفوذ السياسي لهذه العائلة.
لذلك سينقل بعض صلاحياته إلى البرلمان الكردي إلى ابن أخيه، رئيس حكومة إقليم كردستان نيشيرفان البرزاني. أما واشنطن فهي بتدخّلها ستحاول إعادة العلاقات العراقية الكردية إلى مسارها، لأنها ترى انّ العلاقات الجيدة بين بغداد وأربيل هي في مصلحتها. لكن في الوقت عينه تحاول واشنطن تعزيز العلاقات العراقية السعودية كوسيلة لمحاولة إعادة دمج العراق في العالم العربي ومواجهة ما تعتبره الولايات المتحدة نفوذاً إيرانياً مزعزعاً لاستقرار العراق، إلا انّ العبادي كان واضحاً بعدم رغبته وضع العراق في موضع المنافسة والعداء بين إيران والسعودية.
فقدان مدينة كركوك والأراضي الأخرى في تلك المقاطعة ترك العديد من الأكراد في تركيا يشعرون بالهزيمة، إذ كانوا يظنّون بأنّ أميركا وأوروبا ستدعمان البرزاني في موقفه. كان اهتمام ديار بكر مركّز بشكل شبه كامل على كركوك. فهم اعتبروا انّ عملية استفتاء الانفصال انتصار لكردستان العراق، وكان صعباً عليهم أن يفهموا كيف سقطت كركوك بسهولة تحت سلطة الحكومة المركزية وصدموا بسبب التقارير التي أفادت بالتقدّم السريع الذي حققته القوات العراقية. ألقوا اللوم على حزب الاتحاد الوطني الكردستاني واتهموه بخيانة حكومة إقليم كردستان. وقيل إنّ ابن الرئيس جلال طالباني، أجرى اتفاقاً مع حكومة بغداد. لكن الغضب طال أيضاً الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البرزاني الذي لم يحارب بل ألقى جيشه سلاحه.
فقد أكراد تركيا إيمانهم بالأخوة، فمعظم الأكراد في ديار بكر يشعرون بالضيق والتشكيك في حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني وكانوا يقفون إلى جانب البرزاني وصوّتوا لمصلحة أردوغان في استفتاء نيسان 2017.
وهم رأوا أنّ احتلال كركوك ليس مَن عمل بغداد، بل هو تخطيط إيراني، وانّ تركيا وقفت إلى جانب ايران. لا يزال الأكراد في ديار بكر، يحاولون فهم ما حدث فعلاً. ويقارنون الأحداث التي حصلت مع ما عاشوه في عام 1966 عندما تخلّى زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني عن الحزب الديمقراطي الكردستاني وانضمّ إلى صفوف الدولة العراقية. ويشعر آخرون أنهم يعيشون حالة تكرار اتفاق الجزائر لعام 1975. لأنه في عام 1970، كان الأكراد يقاتلون ضدّ العراق بدعم من الولايات المتحدة، التي كانت آنذاك متحالفة مع إيران الشاه. ولكن عندما أبرمت إيران والعراق صفقة في الجزائر، سحبت إيران دعمها لهم. وقد حمّلوا دائماً إيران والولايات المتحدة مسؤولية خسائرهم.
النقطة الوحيدة التي يتفقون عليها، هي أنّ أكبر ضعف للكرد هو انشقاقهم. وهم يرون أنّ وزن تركيا وقوّتها في العراق كان يعتمد بشكل رئيسي على علاقاتها القوية مع حكومة إقليم كردستان. وأنه مع إضعاف حكومة إقليم كردستان، فإنّ نفوذ تركيا في العراق سيضعف أيضاً.
|