تهدف المنطقة العازلة في إدلب إلى فصل القوات السورية النظامية عن الإرهابيين والمسلحين المعتدلين من المتطرفين وسحب أسلحتهم الثقيلة. لكن كيف سيتمّ تنفيذ هذه الخطة الشاملة في شهر واحد؟ قدّمت أنقرة هذه الضمانات نيابةً عن الجماعات المتطرفة في إدلب. وأصبحت القضية الأكثر إثارة للجدل هي، كيف يمكن أن تؤكد أنقرة لموسكو انّ «هيئة تحرير الشام» ستوافق على منطقة منزوعة السلاح وعلى إزالة أسلحتها الثقيلة؟
عززت أنقرة كلّ موقع من مواقعها العسكرية الـ 12 مع 80 إلى 1000 من قوات المشاة والكوماندوس وجهّزت البؤر بقاذفات صواريخ متعدّدة وإجراءات حماية أخرى، ودعمت بشكل جدي وجودها العسكري حول إدلب. كما أغلقت الحدود الغربية وشمال إدلب بتعزيزات عسكرية، لكن هذه الاستعدادات العسكرية هي من أجل العمل الدفاعي، إذ إنّ مواقعها الـ 12 الأمامية تعزل إدلب عن القوات النظامية السورية في الجنوب الشرقي.
تدعم موسكو جهود أنقرة من أجل نزع السلاح، لكنها لا تحبّذ فكرة منطقة حظر الطيران وتريد الاحتفاظ بهيمنة روسيا في الجوّ فوق إدلب، وفي حال تصاعدت الاشتباكات حول إدلب سيتعيّن على أنقرة الاعتماد على موسكو في عمليات الإجلاء الجوي والدعم الجوي للقوات التركية. يبدو أنّ أنقرة قد عرضت هذه الخيارات على هيئة تحرير الشام ـ أيّ النصرة وإن أرات البقاء في إدلب عليها ان تتخلى عن بنادقها ويتمّ تسريحها. اما إذا كانت لا تريد التخلي عن أسلحتها، فسوف يضطر أعضاؤها إلى مغادرة إدلب في حال رفضت جميع هذه الخيارات، من المتوقع أن تقوم أنقرة بعد ذلك بتزويد روسيا بالمعلومات والخدمات اللوجستية للقيام بعمليات مستهدفة ضدّها. من الواضح انّ عملية إدلب ستستمرّ من ثمانية إلى 10 أشهر في وتيرة منخفضة مع هجمات مستهدفة عرضية بينما تستمرّ المفاوضات السياسية. تواجه أنقرة الآن خطرين… الخطر الأول هو أمن القوات التركية العاملة حول إدلب، والخطر الثاني والأكثر أهمية هو احتمال محاولة الجماعات الإرهابية معاقبة تركيا من خلال شنّ هجمات إرهابية في مدنها. لكن عين تركيا من بعد اتفاق إدلب اصبحت شاخصة على منبج بعد الاتفاق الذي توصل اليه كلّ من وزير الخارجية التركي ميفلوت جاويش أوغلو ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو حول إخلاء جميع عناصر وحدات حماية الشعب من المنطقة وبدء دوريات مشتركة بين الولايات المتحدة وتركيا داخل مدينة منبج، على ان يتمّ في غضون 90 يوماً من إعلان خريطة الطريق. لم يتمّ الإعلان عن التفاصيل الكاملة لكن الأتراك يشكون الآن من أنّ الولايات المتحدة تتأخر في هذا الاتفاق. وتراقب أنقرة بقلق استمرار الولايات المتحدة في تعزيز سيطرتها على منبج وقسم كبير من الأراضي السورية الواقعة شرق نهر الفرات الذي تسيطر عليه أيضاً قوات سورية الديمقراطية.
لم تحصل تركيا بعد على ما تريده في منبج، والشعور المتزايد في أنقرة هو أنّ واشنطن تستخدم خارطة الطريق التي تمّ الاتفاق عليها في يونيو/ حزيران لشراء الوقت الذي يعزز قبضتها على شمال سورية. الدوريات المشتركة في مدينة منبج التي تريدها أنقرة، لا تلوح في الأفق، وفقاً للجانب التركي. واشنطن من جهتها لم تعط إشارات تطمين لتركيا بل صرّح أريك باون باسم البنتاغون انّ الأتراك لن يأتوا إلى منبج في المستقبل المنظور وانّ هذه الدوريات لن تحدث على الإطلاق في وسط المدينة ولكنها ستكون خارج حدود المدينة. وانّ الانسحاب الأميركي لن يحدث في أيّ وقت قريب. تأتي هذه التصريحات في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن لمشاركة جميع القوى السياسية السورية في أيّ تسوية دستورية. ترى في أيّ درجة من اللامركزية للأكراد السوريين كابوساً حقيقياً وفشلاً لسياسة أردوغان.
تعارض أنقرة منطقة كردية أخرى على طول حدودها، بالإضافة إلى شمال العراق الكردي، خشية أن يشجع ذلك الأكراد الأتراك. لكن مشكلة تركيا، هي أنّ موسكو تدعم أيضاً تمثيل الأكراد السوريين في سورية، وشجعت وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي PYD ، على فتح باب التفاوض مع دمشق.
وكان وزير الخارجية التركي قد أرسل إلى جريدة نيويورك تايمز مقالاً الأسبوع الماضي ركز فيه النقاش على وحدات حماية الشعب، قائلاً: لقد حان الوقت لواشنطن لتقييم من هم حلفاؤها الحقيقيون في المنطقة . تأتي هذه الرسالة بعد نداءات في واشنطن لأنقرة للقيام بنفس الشيء، ايّ عدم الانجراف الى الحضن الروسي كونها تبتعد عن الغرب على الرغم من أنّ التعاون العسكري بين البلدين لا يزال ساري المفعول. تركيا ممتعضة من روسيا كشريك في سورية – خاصة في ما يتعلق بإدلب، ومن العزم الروسي على مواصلة دعم الأسد، والأهمّ من ذلك، دعم موسكو لبعض التطلعات الكردية. كما انها مزعوجة من واشنطن وحمايتها للأكراد في سورية. لا يبدو أردوغان رابحاً في الحرب السورية. فالدولة السورية تريد استعادة سلطتها على كلّ شبر من أرضها، وأثبت إسقاط الطائرة الروسية ومقتل 14 جندي روسي أثناء قصف إسرائيل لمواقع سورية في اللاذقية، تصميم روسيا على دعم سورية الدولة ليس على الأرض فقط إنما حماية أجوائها وعدم السماح لـ إسرائيل بالتمادي في طلعاتها الجوية العدوانية على سورية. أطاحت إسرائيل بتغاضي روسيا عن طلعاتها الجوية العدوانية وتسبّبت في مقتل الجنود الروس، الأمر الذي انعكس لصالح سورية بعد قرار روسيا تسليمها صواريخ اس 300 من أجل حماية الجنود الروس المتواجدين على الأرض، ذاك بعد طول انزعاج من السياسة الروسية وتسامحها اتجاه إسرائيل . تعاقب روسيا إسرائيل كما عاقبت تركيا من قبل بعد إسقاطها طائرة السوخوي 24 عام 2015.
|