الزيارات الدبلوماسية المتبادلة التى استمرت أسبوعاً بين تركيا والولايات المتحدة أثمرت عن آلية جديدة مكلفة بحلّ القضايا المعلقة فى العلاقات الثنائية، بعد كلّ الصعوبات التي واجهت المحادثات في لقاء ماكماستر المستشار الأمني للرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تجنّب نشر أيّ تأكيد للبحث عن رؤية جديدة من أنقرة، وبعد عقد وزير الدفاع الأميركى جيمس ماتيس اجتماعاً مع وزير الدفاع التركي فى بروكسل يوم 14 شباط/ فبراير حيث وصف الجانب التركي اقتراح ماتيس فصل وحدات الحماية عن حزب العمال الكردستاني واستمرارها في منبج بالسخيف.
لكن اجتماع ريكس تيلرسون مع كلّ من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته جاويش أوغلو أسفر عن إعلان بيان مشترك يؤكد على الشراكة الاستراتيجية بين تركيا والولايات المتحدة.
إذ أكدا من جديد التزامهما المتبادل بالأمن والدفاع عن بعضهما البعض، بصفتهما حليفين داخل الناتو، كما أكدا على تعزيز أهدافهما المشتركة ومصالحهما، وكذلك تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون والحريات الفردية في جميع أنحاء العالم، واعترفا بأنّ هناك مشاكل يجب ان تحلّ عبر آلية وسيتمّ تفعيل هذه الآلية خلال النصف الأول من آذار/ مارس.
كما أكدا انّ النزاعات الناشئة عن الأزمة في سورية ستحظى بالأولوية، وسوف تسعى هذه الآلية أولاً إلى التغلب على صراع محتمل بين تركيا والولايات المتحدة في منطقة منبج حيث تتمركز القوات الأميركية إلى جانب وحدات حماية الشعب التي تعتبرها أنقرة جماعة إرهابية. وتريد انسحابها الى شرق الفرات مع العلم انّ واشنطن كانت قد وعدتها بذلك منذ أكثر من عام بعد التخلص من داعش لكنها لم تف بوعدها.
وكان تيلرسون قد شدّد على ضرورة إبقاء مدينة منبج الاستراتيجية السورية تحت سيطرة قوات التحالف. يمكن القول انّ هذه المشكلة هي الأكثر ضغطاً على العلاقات التركية الأميركية. فأنقرة تخشى بعد قيام الولايات المتحدة بتدريب وتجهيز وتسليح وحدات حماية الشعب، التي تسيطر على ربع الأراضي السورية بأكملها، أن تسعى الأخيرة إلى شكل من أشكال الحكم الذاتي. وقد أصبحت وحدات حماية الشعب تهديداً وجودياً لتركيا.
لذلك أطلق الجيش التركي «عملية غصن الزيتون» في منطقة عفرين السورية وأعلن أنّ منبج هي على القائمة التالية مما أزعج الأميركيين. لكن معظم الأتراك متقبّلون لما تقوله الحكومة بأنّ وحدات حماية الشعب لا تختلف عن حزب العمال الكردستاني، الذي يقاتل القوات التركية داخل تركيا. كما انّ حملة عفرين حققت منافع حقيقية لأنقرة فهي ضمنت أن تلعب تركيا دوراً في تحديد شكل شمال سورية، وهي أظهرت للولايات المتحدة تكاليف وحدود سياستها غير المدروسة في سورية.
فتركيا ليست في عجلة من أمرها ويمكنها استيعاب المزيد من الضحايا وسط دعم الجمهور التركي لعملية غصن الزيتون. فهي تتحكم بمنابع نهر الفرات، التي تعتمد عليها الزراعة السورية بشكل كبير، مما يزيد من الضغط على وحدات حماية الشعب.
اقتراح تركيا بنقل وحدات حماية الشعب مع القوات الأميركية من مكانها من منبج مسألة في غاية الصعوبة بالنسبة الى وزارة الدفاع الأميركية وهذا يعني تحوّلاً دراماتيكياً في استراتيجية الحرب الأميركية، كما أنّ هناك ثقة ضئيلة في الجيش التركي وبـ«الجيش الحرّ»، بالنسبة الى «سنتكوم» ايّ القوات المركزية الأميركية. لكن المؤكد هو توقف أنقرة عن هجوم محتمل على منبج في الوقت الذي يجلس فيه المسؤولون الأتراك والأميركيون لتضييق الفجوة بينهما.
وحدها الأحداث الآتية ستؤكد إذا ما كان الأتراك والأميركيون سيستطيعون مواءمة أولوياتهم، لا سيما أنها مرحلة دقيقة، وهي مرحلة ما قبل العاصفة الأخيرة. ربما ستظهر أنقرة حسن نواياها قريباً وتشهد العلاقات بعض التطورات في حالات أفراد مثل أندرو برونسون، وهو قسّ أميركي سجن في تركيا منذ عام 2016. والإفراج عن بعض مواطني الولايات المتحدة وموظفيها فى تركيا على الأقلّ الذين اعتقلوا فى ظلّ حالة الطوارئ. بعد ان تمّ اطلاق سراح التركي الألماني دينيز يوسيل أطلق أخيراً من السجن في تركيا بعد تحسين العلاقات مع المانيا ولقاء بن علي يلدريم مع المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل.
لكن يمكن التأكيد انّ العلاقات الأميركية التركية تمرّ بمنعطف خطير، إذ تعتقد تركيا جازمة انّ واشنطن في علاقتها مع الأكراد في سورية توجه ضربة الى وحدة تركيا، أما الأميركيون فهم عجزوا لغاية اليوم عن إقناع تركيا بقبول تحالفهم مع وحدات الحماية الكردية، بل يرون أنّ انقرة لا تراعي مصالح واشنطن في سورية بل تسعى الى مصالحها الذاتية.
روسيا من جهتها دقت الإسفين في علاقة تركيا بالولايات المتحدة بعدما سمحت لقوات أنقرة بدخول عفرين من أجل وصلها بجرابلس واعزاز كحزام أمني. لكن كلّ تحسّن في علاقة أنقرة بواشنطن سيُستقبل على مضض في موسكو التي تلوّح بدخول الدولة السورية الى عفرين لحماية المدينة من الأتراك. أما الورقة الكردية فهي لم تعد ورقة مساومة بالنسبة الى روسيا بعد ان باعتها لأنقرة من أجل كسبها من جهة وتفجيرها بوجه واشنطن من جهة اخرى.
|