عندما زار رئيس الوزراء بن علي يلدريم الولايات المتحدة مؤخراً حاول الوقوف على الأجواء السائدة حيال تركيا. أثار كالعادة موضوعَيْ تعاون واشنطن مع حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره تركيا إرهابياً وكذلك قضية تسليم الداعية محمد فتح الله غولن. لكن اهتمام رئيس الوزراء الفعلي كان منصبّاً على محاكمة رجل الاعمال التركي ـ الإيراني رضا زراب في الولايات المتحدة اكثر من هذه القضايا التي أصبحت عناوين خلافية لعلاقة تركيا بالولايات المتحدة. سارعت أنقرة بعد هذا اللقاء الى الترويج الإعلامي السياسي من أجل تنبيه الرأي العام التركي لا سيما الموالي منه إلى أن مؤامرة جديدة تحاك ضد تركيا والهدف منها، النيل من الاقتصاد التركي الذي يشهد تراجعاً ملحوظاً في سعر الليرة التركية مقابل الدولار إضافة الى ارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب، فيما اعتبره بعضُ المراقبين محاولة جدية لخفض شعبية أردوغان الذي يُعَدّ من الآن لانتخابات 2019 والتي يُعتبر الاقتصاد عماداً لها.
يوم 22 تشرين الثاني/ نوفمبر صرّح رئيس الوزراء التركى يلديرم أنّ قضية رضا زراب في الولايات المتحدة بدأت تؤذي تركيا ومصالحها على المستوى العالمي. أشار إلى أنّ المتهمين في القضية وهما تاجر الذهب الإيراني- التركي رضا زراب ومدير البنك العام التركي هاكان اتيلا اللذان اعتقلا لانتهاك العقوبات التي كانت مفروضة على إيران – قبل الاتفاق النووي- عبر عملية الذهب مقابل الغاز وهما يتعرّضان لضغوط ويجبران على إعطاء تصريحات ضد تركيا والمصالح التركية.
وقال يلدريم في حينها إن المتهم قد تحوّل الآن شاهداً حتى قبل بدء جلسة المحكمة «وهذا يعني، أن المتهم الرئيسي لتجارة الغاز مقابل الذهب بين تركيا وإيران، لن يحاكَم، في حين أن أتيلا، مدير البنك سوف يكون هو المتهم. وهذا يعني أيضاً أن زراب اعترف بالفعل بالذنب لخفض عقوبته والتركيز على القضية هو الآن فقط على أتيلا».
كما أن هناك أيضاً شخص ظهر في ملفات القضية كشاهد، ويُقال إنه ليس واحداً من المدعى عليهم أو الشهود الحاليين. كذلك، هناك تقارير تطلبها المحكمة من السلطات التركية لتقديم الأدلة حول ما اذا كانت مصالح أتيلا تتعارض مع مصالح هالك بنك المقرض العام، الذي أدار العملية..
نفى وزير الاقتصاد الادّعاءات بأنّ تكون تركيا ارتكبت خطأ في تجارتها الخارجية. وأشار الرئيس أردوغان أيضاً إلى أنه نظراً لعدم وجود حظر من قبل الأمم المتحدة، فإن القيام بالتجارة مع إيران – كما فعلت الدول الأخرى – لم يكن جريمة في القانون التركي وأن قضية زراب هي»مؤامرة ضد تركيا»، وان الذين لم يتمكنوا من النجاح في اتهامه وحكومته في تحقيقات الفساد لعام 2013 وفي محاولة الانقلاب العسكري في يوليو/ تموز 2016 «يحاولون القيام بذلك عن طريق هذه القضية في الولايات المتحدة»، واعتبرها مؤامرة كالمؤامرات التي تورّطت بها الـ»سي آي اي» في العالم متهماً الداعية محمد فتح الله غولن المقيم في بنسلفانيا بإعداد هذه المؤامرة إضافة الى محاولة الانقلاب.
تأجيل المحاكمة واتهام مدير هالك بنك واتهام رجل الأعمال الإيراني التركي بتقديم الرشى إلى السياسيين الأتراك أدى فعلاً الى ارتفاع قيمة الليرة التركية وإلى انخفاضها مقابل الدولار، مما دفع البنك المركزي التركي إلى التدخّل ودقّ ناقوس الخطر.
هذا الأمر دفع رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشيدار أوغلو إلى اعتبار أن أردوغان مهتّم بهذه القضية اهتماماً غير عادي لكون الحكومة التي كان يرئسها في تلك الفترة أي 2013 كانت شريكاً في الفساد وقام بإبراز وثائق تدين أبناء أردوغان. ما حمل الرئيس التركي على اتهام كليتشيدار اوغلو بالتآمر.
تعتقد الحكومة التركية أن السلطات الأميركية تمارس ضغوطاً على زراب لإجراء صفقة تفاوضية من أجل وضع هالك بنك في صعوبات، مما قد يؤثر أيضاً على النظام المصرفي التركي.
وكانت إيران قد حكمت على رئيس زراب في إيران باباك زنجاني بالإعدام في إيران في عام 2016 بتهمة كسر الحصار الأميركي وغسل الأموال، ولا يزال في السجن.
يخشى أردوغان والحكومة التركية من دفع زراب لإدانة شخصيات من تركيا، وكشف مزيد من الأسماء ومن التفاصيل المثيرة في المحاكمة هو قول محامي أتيلا إنه لم يكن يتلقى رشى من زراب، بل إن رئيس أتيلا في هالك بنك، سليمان أصلان هو مَن تلقاها.
وكان أصلان من بين المتهمين بالفساد الذين أُلقي عليهم القبض في 17 ديسمبر 2013 وكان متهماً بالاحتفاظ في منزله بأربعة ملايين ونصف مليون دولار نقداً في صناديق الأحذية. لكن الحكومة أطلقت سراحه إلى جانب متهمين آخرين وعيد المال إليه وقال على أثرها إن المبلغ عائد للجمعيات الخيرية. وتمّ تعيينه بعدها كعضو مجلس إدارة في بنك الزراعة.
يتساءل المهتمون بهذا الموضوع مَن هو الشاهد السري في القضية، الذي سُمّي الشخص رقم 1، الذي تحتفظ به المحكمة. وتثار التساؤلات حول ما تريد المحكمة الوصول إليه، هل المقصود هو أردوغان وعائلته وأفراد حكومته أم انه يراد معاقبة تركيا كدولة؟ أم أن مقايضة سياسية ما سوف تكتفي بتوجيه بوصلة الاتهام الى موظفين حكوميين والتفاوض مع أردوغان في الكواليس حول مسائل سياسية أعمق من قضية الفساد؟
|