هُزمت الجماعات المسلحة، المدعومة من قبل الغرب وتركيا ودول الخليج، في حلب. هذه الجماعات التي تمّ دفعها شمالاً عبر الحدود التركية، حيث كان من المقرّر ان تكون جزءاً من المشروع التركي لإقامة منطقة عازلة، في شمال سورية، التي كان المفترض أن تكون مساحة للجماعات المسلحة المنتصرة وليست المنسحبة.
لم تبد تركيا، منذ أن شنّت عملية «درع الفرات»، أيّ ردّ فعل حول الضغوط الشديدة التي واجهتها الجماعات المسلحة، التي كانت محاصرة في حلب لا سيما، أنها كانت قد صرّحت بأنّ أهدافها من «درع الفرات»، ضرب «داعش» في المنطقة الحدودية ومنع الأكراد من تشكيل ممرّ على طول الحدود التركية. وكانت روسيا وسورية، قد أعطت تركيا الضوء الأخضر للتحرك صوب المدن الحدودية، من جرابلس والراعي نحو الباب، كترتيب لتركيا، مقابل إعراضها عن دعم المجموعات المسلحة. وفي المقابل، يمكنها الحصول على مساحة قريبة من حدودها. لكن عندما وسعت تركيا عملياتها خارج المنطقة المتفق عليها، تحوّل الضوء الأخضر المعطى لها، إلى الأحمر.
لم تتحقق توقعات تركيا بشأن تشكيل قوة مشتركة ضدّ الأكراد، في عملية درع الفرات. كانت كلّ من سورية وروسيا حريصتان على عدم الاصطدام بالأكراد، عكس المقترحات التركية التي هدفت الى إنهاء الحكم الذاتي، ثمّ الحفاظ على الأكراد، لكن تحت السيطرة. وطلبت كلّ من روسيا وسورية، من الأكراد، أن يكونوا حذرين من التهديد التركي. كانت الخطة التركية تهدف الى القبض على مدينة الباب، من أجل مساعدة المسلحين المتواجدين تحت الضغط، في حلب. لكن هذا المسعى لم ينجح.
هدف أردوغان، كان إبقاء الجيش السوري بعيداً عن المنطقة العازلة، التي أنشأها خلال عملية الدرع الفرات. لكن، لم يكن ذلك ممكناً، لأنّ سورية كانت حريصة على عدم السماح لتركيا بالدخول الى مدينة الباب. وبالطبع، لم يكن وارداً أن تقاتلها تركيا وهي المدعومة بقوة من روسيا.
ما يغضب أردوغان اليوم، هو تراجع الجماعات المسلحة من حلب الى الحدود التركية. فهناك عشرات الآلاف من المقاتلين المدججين بالسلاح، المدرّبين على القتال، يقفون عند الحدود التركية وهي المسألة الأكثر حيوية وخطورة بالنسبة لأنقرة. فالجيش السوري قام بخطة مدروسة، عبر تيسير الحافلات لتقلّ مقاتلي الجماعات المسلحة، أثناء انسحابها شمالاً الى الحدود التركية، من المناطق التي كان يجري إخلاؤها. بعد أن تمّ إرسال الجماعات المسلحة، التي توقفت عن القتال في ريف دمشق، الى درعا. وإرسال آخرين الى إدلب، حيث يواجهون استمرار الغارات الجوية. هذا الأمر يعبّر بالتأكيد، عن خطوة استراتيجية مرسومة. ففي أوائل تشرين الأول، ايضاً، تمّ نقل عدد كبير من المسلحين من قدسيا ومن الهامة، مع عائلاتهم وأكثر من 2000 شخص، إلى إدلب. كذلك، في اواخر تشرين الثاني، تمّ نقل أكثر من ألف مقاتل من المسلحين، مع نسائهم وأطفالهم، من الغوطة قرب دمشق، إلى إدلب. الأمر نفسه ينطبق على المجموعات في حلب.
يتولى السيطرة على إدلب، من الناحية الاستراتيجية، إسلاميون متشدّدون، على غرار حركة أحرار الشام وجبهة النصرة سابقاً المرتبطة بتنظيم القاعدة. والتي تضمّ العديد من الجهاديين الأجانب. وتُعتبر هذه المجموعات من ألدّ أعداء النظام السوري، لكنها لم تتمكّن من كسب تأييد الغرب.
من المستبعد أن تشكّل إدلب نقطة انطلاق لاعتماد استراتيجية مدعومة من الخارج، من أجل استكمال المعارك ضد النظام، لا سيما بعدما تمّ التوصل إلى المفاوضات التي ما زالت جارية، لإرسال وتجميع الجماعات المسلحة في إدلب، حيث تحوّلت المدينة الى مكان تجمّع المسلحين المتنوّعي الانتماءات وكانت واشنطن قد صرّحت، بأنّ على هؤلاء التخلي عن تنظيم القاعدة والبقاء حيث هم وبدء العمل نحو حلّ بالاتفاق مع موسكو.
فيما ترى أوساط سياسية مطلعة، أنّ الجيش السوري وحلفاءه، سوف يكملون المعارك إلى خان طومان. حيث الهدف الأول الوصول الى الفوعة وكفريا، المحاصرة من جبهة النصرة – فتح الشام وحلفائها. وأنه من المرجح جداً، أن يشنّ الجيش السوري وحلفاؤه في المقاومة ونسور الزوبعة، هجوماً باتجاه الشمال. حيث يمكن ان يشكل هذا السيناريو بداية كابوس لتركيا.
لكن انقرة عقدت العزم على فرض أمر واقع وهو خلق منطقة عازلة من الحدود، في كيليس إلى الشمال من الباب وتحويل الأراضي في المناطق الريفية حول إدلب، إلى منطقة آمنة للموالين لها، فيما مقاتلو «الجيش الحر» استطاعوا السيطرة على الطريق السريعة: الباب منبج، جنباً الى جنب مع منطقة الزرزور السكنية، كجزء من عملية «درع الفرات». كذلك، أجرت الطائرات الحربية التركية عملية جوية في المنطقة، ضد «داعش» التي كانت قد خطفت جنديين من القوات الخاصة التركية. فيما تمّ ارسال 300 جندي من الوحدات الخاصة القبعات الزرقاء الى الحدود السورية ضمن عملية «درع الفرات».
في جميع الأحوال، سوف تكون الحدود التركية ساخنة، اذ ستضطر تركيا للتعامل مع الجهاديين عبر حدودها. وفي الإطار نفسه، نفت تركيا ما أشيع عن تخليها عن «المعارضة السورية»، اذ قامت أنقرة بـ»حملة إنسانية» لحلب وسط تكثيف الهجوم الإعلامي ضدّ سورية.
|