هل بدأ العدّ العكسي بالنسبة الى تركيا العدالة والتنمية في كلّ من ليبيا والسودان بعد انتشارها في أفريقيا لأسباب استراتيجية ومصلحية. تمرّ أنقرة بأزمة إقليمية، فالدعم الذي يتلقاه قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر في هجومه على طرابلس منذ 4 نيسان/ أبريل الماضي من الطائرات الحربية المصرية التي تخشى تداعيات عدم الاستقرار في دولة مجاورة لحدودها كليبيا، والمالية من المملكة العربية السعودية، والأسلحة والطائرات من دون طيار من الإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى المستشارين العسكريين من فرنسا، بعدما كان قد أبرم صفقات مع القبائل في المناطق الجنوبية والشرقية الغنية بالنفط وجذب الجنود الليبيين إلى جانبه بعد تفكك الجيش النظامي الليبي.
حمل هذا الهجوم حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، بقيادة فايز السراج وبدعم من جماعة الإخوان المسلمين، الى الطلب من أنقرة التدخل والمساعدة، قال أردوغان إنه ضدّ «تحويل ليبيا إلى سورية أخرى». واعتبر أنّ حفتر «ديكتاتور تدعمه أوروبا وبعض الدول العربية. واستقبل كلاً من وزير الداخلية في الجيش الوطني ورئيس المجلس الأعلى للدولة لمناقشة تفاصيل التعاون.
البيت الأبيض من جانبه اعترف بدور هامّ لحفتر في مكافحة الإرهاب وتأمين موارد النفط الليبية، كذلك ناقش ترامب مع حفتر الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة «رؤيتهما المشتركة لانتقال ليبيا إلى نظام سياسي مستقر وديمقراطي». ضرب ترامب عرض الحائط تصريحات وزيره بومبيو حول الوقف الفوري للعمليات ضدّ طرابلس العاصمة الليبية.
تشكل تركيا وقطر المحور المنافس في ليبيا، مع استثمار إيطاليا أيضاً في هذا المعسكر وفقاً لمصالحها، أطلقت أنقرة نداءها التزام اعتراف الأمم المتحدة بحكومة السراج لكن الاتهامات التي تواجهها أنقرة تقوّض وساطتها، لكونها متهمة بتمرير شحنات أسلحة إلى ليبيا منذ كانون الثاني/ يناير 2013، كما انّ مصر تدّعي اعتراض أكثر من سفينة في 2014 و 2015 حملت أسلحة فيما تمّ الاستيلاء على أخرى في اليونان قادمة من مياه اسكندرونة وغيرها من ادرنة ومن مرسين.
نفت تركيا التهم لكن اللجنة المشرفة على الأسلحة أكدت شحن الأسلحة إلى ليبيا من تركيا والإمارات العربية المتحدة. هذه الاتهامات الواضحة لتركيا تهدف الى عزل حكومة طرابلس وكفّ يد أنقرة التي طلبت دعماً للعودة إلى خارطة طريق المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، والذي تمّ تعليقها فعلياً وسط توجهات حفتر في طرابلس. أما الاتحاد الأوروبي فهو داعم لحفتر الذي يدّعي محاربة داعش والقاعدة، وهو ينال رضى روسيا ايضاً، وتراهن جامعة الدول العربية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على نجاحة في الاستيلاء على العاصمة. تثق مصر والسعودية والإمارات والبحرين والأردن انّ حفتر قادر على محاربة الاخوان المسلمين الطامعين بالاحتفاظ بالسلطة.
وفي ردّ فعل أوّلي حول ما يجري في السودان من حراك ووانقلاب المجلس العسكري واستيلائه على السلطة اعتبرت تركيا انّ مصر والسعودية والإمارات قادت الانقلاب العسكري، حيث انّ الثلاثة عرضوا مساعدة مالية للسودان إذا قطعت علاقاتها مع تركيا، وتقول انّ البشير رفض العرض، ما أدّى إلى مساعدة الدول الثلاث في هندسة الانقلاب. اتهمت تركيا هذه الدول بأنها تقف في وجه ايّ نظام عربي يتقرّب من تركيا التي احتضنت البشير منذ فترة طويلة على الرغم من مذكرة الاعتقال التي صدرت عام 2010 عن المحكمة الجنائية الدولية واتهامه بالإبادة الجماعية. لكن من الناحية المالية، لم تصل قيمة التعاون التجاري بينهما رغم إعلانه إلى نصف مليار دولار، مع أنه جرى عقد اجتماعات وطرح مشاريع عديدة حيث كان الهدف الأساسي اثر زيارة كاموم الأوّل/ ديسمبر 2017 التي قام بها أردوغان الى السودان زيادة حجم التجارة إلى 10 مليارات دولار في خمس سنوات. لكن لم يحدث شيء كبير منذ توقيع الاتفاقيات. وفي عام 2018، وقعت شركة البترول التركية المملوكة للدولة اتفاقية للتنقيب عن النفط بقيمة 100 مليون دولار مع السودان. كذلك تمّت دعوة تركيا للمشاركة في تجارة الذهب في السودان، لكن لم يتحرك شيء.
أثناء هذه الزيارة، طلب أردوغان السماح له بالوصول إلى جزيرة سواكين ذات الموقع الاستراتيجي، والتي لها آثار عثمانية… وأكدت التقارير المتداولة، انّ تركيا كانت تفكر في إنشاء قاعدة سواكين العسكرية، ما أثار غضب جيران البحر الأحمر السعودية والإمارات العربية المتحدة الذين يحاولون السيطرة على البحر الأحمر عبر الحرب في اليمن، وقواعد في اريتريا وجيبوتي وإقامة اتصالات وثيقة مع مصر والأردن. ورداً على الانتقادات، قال أردوغان في كانون الأوّل/ ديسمبر 2017، بانه «لا شك في وجود ميناء عسكري». لكن التطوير الملموس الوحيد في ما يتعلق بالاتفاق على جزيرة سواكين هو عمل 30 خبيراً من وكالة التعاون والتنسيق التركية لإجراء دراسات حول التربة وتخطيط المدن والجيولوجيا ورسم الخرائط والهندسة المعمارية والترميم. اما الأموال التي تلقاها السودان فكان من الإمارات حتى انها وظفت ما يقرب 3.5 مليار دولار في عام 2017.
لا يريد أردوغان خسارة الحراك في السودان الذي لم تتضح صورة نتائجه، فالاخوان في السودان أقوياء والحركات الإسلامية كذلك والمجلس العسكري لم يستطع فرض سلطته بعد، لذلك تقول تركيا إنها مع الشعب السوداني في تحقيق طموحاته الديمقراطية وهي تتبنّى نهجاً هادئاً وحذراً.
يستجيب ترامب لمصر والسعودية والإمارات لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية لأسباب واضحة، فهو يريد كسب هذه الدول الموافقة على صفقة القرن، وكسب ليبيا الى هذه الصفقة والسودان إذا أمكن، في ظلّ خلافه مع تركيا التي تحتضن الاخوان المسلمين حيث يسهل محاصرة أردوغان الذي لم يتخلّ عنهم ويعتبر انّ الولايات المتحدة شاركت في الانقلاب عليه بعد خديعتها لتركيا بجعلها زعيمة الإسلام السياسي…
|