الاتفاقية التي تمّ توقيعها في 19 أيلول/ سبتمبر بين مصر وقبرص لإنشاء خط أنابيب مباشر للغاز تحت سطح البحر والذي سينقل الغاز من حقل أفروديت في قبرص إلى محطات التسييل المصرية لإعادة تصديره إلى الدول الأوروبية. حسم المنافسة بين مصر وتركيا لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي. اذ تمكّنت مصر من تطوير تعاون قوي في مجال النفط مع قبرص وستستفيد إلى حدّ كبير من تسييل الغاز الطبيعي في محطاتها ومن ثم تصديره إلى أوروبا وغيرها من الأسواق في جميع أنحاء العالم.
كانت مصر وتركيا في تنافس لتصبحا مركزاً رئيسياً للغاز في الشرق الأوسط وأحد أكبر مصدّري الغاز إلى أوروبا. توصّلت تركيا إلى تقارب مع «إسرائيل» في يونيو/ حزيران 2016 واتفق الجانبان على إنشاء خطوط أنابيب للغاز يمكنها من نقل الغاز من «إسرائيل» إلى أوروبا عبر تركيا. الا أنها واجهت عقبة – وهي قبرص – لأنّ خطوط الأنابيب هذه كان عليها أن تمرّ عبر المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص بينما ينخرط البلدان في صراع تاريخي يعود إلى الغزو التركي لقبرص عام 1974 ولكن تدهورت العلاقات التركية «الإسرائيلية» عندما أدان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعلان الدولة اليهودية واعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل» الدولة اليهودية في شباط/ فبراير 2019.
استغلت مصر حقيقة أنّ أوروبا تسعى للابتعاد عن استيراد الغاز الروسي من أجل التخلص من ضغوط موسكو السياسية بالإضافة إلى الخلاف القبرصي مع تركيا، وطورت تحالفاً قوياً مع كلّ من قبرص واليونان لتعزيز التعاون في مجال الغاز..
في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 وقعت مصر وقبرص اتفاقية مبدئية لنقل الغاز الطبيعي إلى مصر. وكان البلدان قد وقعا في عام 2013 أيضاً، اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بهدف تطوير حقول النفط والغاز في مناطقهما الاقتصادية.
كانت تركيا قد أعلنت في 30 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي 2019 أنها بدأت التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، وبدأت بمناقشة إقامة قاعدة بحرية دائمة في الجزء التركي من قبرص ايّ في شمال قبرص. صرّحت انها لا تعترف بالاتفاق الموقع في كانون الأول/ ديسمبر 2013 بين مصر وقبرص لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة وترى انه غير قانوني لأنه ينتهك الجرف القاري التركي، ومنعت سفينة الحفر التي استأجرتها شركة النفط الإيطالية ENI، بحجة انّ المنطقة القبرصية تقع في دائرة اختصاص تركيا أو القبارصة الأتراك. فيما وافقت جمهورية شمال قبرص «قبرص التركية» من فترة قصيرة على استضافة طائرات مسيّرة من تركيا في مطار جتشيكالة، الواقع في منطقة حيوية في القسم الشمالي من قبرص. وعلى الفور، أرسلت أنقرة إلى هناك أول طائرة من دون طيّار، وهي من طراز بيرقدار «تي بي٢»، مبرّرة ذلك بأنه يأتي في سياق حماية الأمن القومي لكلّ من تركيا وقبرص التركية، على اثرها أقرّ الكونغرس مشروعي قانونين من شأنهما تقديم دعم أميركي كبير لقبرص في نزاعاتها الإقليمية حول الطاقة مع تركيا في شرق البحر المتوسط. صوّت مجلس الشيوخ في وقت سابق من هذا الشهر كانون الأول/ ديسمبر 2019 بأغلبية 86 صوتاً مقابل 8 أصوات لصالح رفع مشروط لحظر الأسلحة الأميركي المفروض على قبرص كجزء من مشروع قانون الترخيص الدفاعي السنوي بعده بساعات، أقرّ مجلس النواب مشروع قانون لإنفاق المساعدات الخارجية يعزز المساعدات الأمنية لقبرص بينما يوبّخ تركيا بسبب أنشطتها للتنقيب عن النفط قبالة الساحل القبرصي.
تأتي الدفعة الأخيرة من العقوبات ضدّ تركيا بعد أن أرسلت طائرة بدون طيار إلى شمال قبرص لمرافقة سفن الحفر الخاصة بها لاستكشاف الهيدروكربون قبالة المياه الساحلية المتنازع عليها بالجزيرة. وأشار قانون المساعدات الخارجية إلى أنّ حوالي 40 ألف جندي تركي يحتلون الجزء الشمالي من الجزيرة يستخدمون اسلحة من الولايات المتحدة.
ومن شأن مشروع قانون التفويض الدفاعي وتشريعات المساعدات الخارجية أن ترفع الحظر عن قبرص المفروض على الأسلحة منذ عقود. تعارض تركيا بشدة إنهاء حصار حظر الأسلحة على قبرص منذ عام 1987 كما أنّ مشروع قانون الكونغرس للمساعدات الخارجية يعارض الجهود التركية للتنقيب في الجزيرة المتنازع عليها.
لعبت جماعة “كريستيانس يونايتد” من أجل “إسرائيل” دوراً في القانون المؤيد لقبرص، حيث أنفقت 60 ألف دولار هذا العام للضغط على الكونغرس لرفع حظر الأسلحة إلى جانب الأولويات التشريعية الأخرى. وعلى اثره وقعت قبرص صفقة لاستخراج الغاز الشهر الماضي بقيمة 9 مليارات دولار مع شركة دليك الإسرائيلية وشركة شل العملاقة للنفط البريطانية البريطانية وشركة نوبل إنرجي ومقرّها الولايات المتحدة لاستغلال احتياطيات الطاقة البحرية الضخمة في الدولة. وكانت شركة إكسون موبيل وقطر للبترول قد بدأتا عمليات الحفر البحرية نيابة عن قبرص العام الماضي بعد أن توصلت نيقوسيا إلى اتفاق لبناء خط أنابيب للغاز الطبيعي مع مصر، التي اكتشفت حقل غاز طبيعي كبير في مياهها في وقت سابق من هذا العام.
في ظل هذ ا الوضع حصلت تركيا على اتفاق مع حكومة السراج الليبية المعترف بها دولياً وشدّدت الحكومة على الاعتراف بمطالبات أنقرة بالمياه القبرصية المتنازع عليها. عقب توقيع مذكرات بشأن تعيين المناطق البحرية والتعاون الأمني من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والسراج في إسطنبول يوم 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، علقت وزارة الخارجية الروسية انّ تركيا تحاول إضفاء الشرعية على دعمها العسكري للحكومة في طرابلس عن طريق انتهاك صارخ لحظر الأسلحة. وأعربت انّ الاتفاق قد يزيد من تفاقم الوضع المتوتر بالفعل في ليبيا والبحر الأبيض المتوسط بشكل عام”. أثار البيان تكهّنات في دوائر الخبراء الروس حول ما إذا كانت ليبيا يمكن أن تصبح نقطة نزاع خطير بين المصالح الروسية والتركية في حال تطور الاتجاهات الحالية.
تقوم روسيا بتنويع مجموعة أدواتها وقنوات اتصالاتها والتحوّط من المخاطر المحتملة لوضع كلّ بيضها في سلة واحدة. لذلك، تتجنّب روسيا عموماً الوقوف إلى جانب طرف واحد في النزاع الليبي حتى تتأكد من أنّ هذا الحزب سيصبح مالك السلطة الوحيد. ومع ذلك، في حالة ليبيا، هناك بعض مجموعات المصالح والشخصيات القوية التي تضغط على الكرملين ضدّ سراج ولدعم حفتر، وهناك من يضغط على خلاف ذلك. تعمل وزارة الخارجية، على خط المواجهة العامة للسياسة الروسية، في ليبيا على أساس أنّ هناك حاجة إلى تعزيز صورة روسيا الإقليمية كصانع سلام، لضمان عودة الاستثمارات الروسية في قطاع النفط المفقود بعد اغتيال الرئيس الليبي معمر القذافي وفضح عجز الغرب عن لعب دور بناء في أيّ أزمة أثارها.تختلط الأوراق في شرق المتوسط لذلك أجرى كلّ من أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثة هاتفية، فقد قالت موسكو إنّ مقترحاتها تدور حول وقف سريع لإطلاق النار واستئناف محادثات السلام بين ليبيا. ومن اللافت للنظر أنه بينما أعربت روسيا وتركيا عن دعمهما لجهود الوساطة التي تبذلها الأمم المتحدة وألمانيا لإنهاء النزاع المسلح، أكد كلاهما مجدّداً استعدادهما “للمساعدة في إقامة اتصالات بين ليبيا”. تركيا تبحث عن مصالحها كما روسيا، من المتوقع أن يزور بوتين تركيا يوم 8 يناير/ كانون الثاني. وسيطلق القادة الروس والأتراك خط أنابيب الغاز الطبيعي TurkStream من روسيا إلى تركيا ومناقشة سورية، وتسليم نظام الدفاع الجوي الروسي “أس 400” والوضع في ليبيا.
|