إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الحُب الجَميل ... في الزَمن الأليم

غسان مصطفى الشامي

نسخة للطباعة 2007-01-04

إقرأ ايضاً


* أيها الحُب ما أَشهى الخُلود في لَهيبك ، و الرُوح تَتلهف لتَكون وَردة لعبيرك ، واللوعة والشَوق تَرتوي من فَيض نُورك .. " الحُب " أَجمل شُعور في الحَياة ... أَروع إحساس نَحياه ... " الحب " نَبع الحَنان في الدنيا ... أَجمل قيمة وأَرق مَشاعر إنسانية... دفءٌ وبَشاشة... قُوةٌ صَارخةٌ وقَلبٌ عَطوف.. الحُب جَميل وقَالوا أََجمل ما في الدُنيا:

الحُب والرَغيف والحرية .. الحُب فطرة كَونية وتَناغم رَوحي .. الحُب أَملٌ يَنبضُ بالحَياة .. أملٌ فَياضٌ رَقراق ... الحُب يُحي المَودة والرحمة والخَير الكبير بين الأمم والشعوب ... الحُب انسجام بين الحبيبين و سرٌ من أسرار الكون العجيب ...


* الحُب ليس عشقاً للجمالِ فحسب ، فَهو اسمى واكبر من ذلك هو شيءٌ الذي لا تصفه معاجم التاريخ ولا أساطيره .. هو شيءٌ نَقي طاهرٌ نبيل وليس مرضٌ سقيم يُطلق عليه " العِشقُ والهَوى " ، لقد وُئد " الحُب " في مَهده وحُول إلى جَحيم و سَعير يَنهش من قيم الأمة ومبادئها السامية .. و يَنقلب على العَادات والتَقاليد والمَوازين ... ويَتبعد عن تَرانيم الحياة الجميلة والخير الجليل .. ليَرتكب الجرائم ويتنهك بيت الحَريم...ويَهتك العَرض في وسوسة الشَيطان الرجيم ..


* " الحُب" جَميل .. يَحمل في طَياته نَوعين ، حبٌ سلوكي ، و حبٌ عاطفي ، ونَحن بحاجةٍ إلى كلا النَوعين لتَستقيم حَياتنا وتستنير طريقنا ونَستعيد مجدنا ، فهو غريزة فطرية كتبها الله علينا وهي احد الأسباب التي جعلت حياتنا تستمر وسفينتنا تَسير و العواصف والرياح تؤثر عليها ، فإما تَصل إلى برِ الأمان ، وإما تَصل إلى برِ الدمار..


* فَقَد " الحُب " في وطننا العربي قيمه ومَعانية السامية ، وسِيء استخدامه لتَحقيق مآرب و أهداف خَاصة ، فأصبحت الجَرائم تُرتكب باسم " الحب " ، أما إعلامنا العربي المَاجن فَهو يُشجع " الحُب " إلى ابعد الحدود ، بل ويُعطي دروس فيه ، ويُخصص له الأوقات الثمينة والساعات الكثيرة والبَرامج والقَنوات الجرئية ، كما يُركز إعلامنا على " المرأة " بصورةٍ مهينةٍ مُذلة و مُبتذلة لها ـ ولا ادري كيف تقبل المرأة على نَفسها ذلك ـ ليُجردها من حَيائها الجَميل وعِفتها الخَالصة ، فَهي " حَواء " سميت بهذا الاسم لإنها خُلقت من " حياه " ، فقد اغتال إعلامنا العَربي المَاجن هذه المَشاعر الحَمائمية الجَميلة عَندما زَج بـ " الحُب " ليُصبح وسيلة رَخيصة لتَرويج الفَساد والعُري في مُجتمعاتنا العَربية ولتَظهر عَلينا مُصطلحات " الحُب الطاهر " والحُب العفوي " و" الحُب من أول نَظرة " و" الحُب والصداقة " وما إلى ذلك من مُصطلحات تَظهر كل يوم ، فيما تَنتشر قصص " الحُب " وأساطيره المُدمرة بَين فَتياتنا وشَبابنا ، لَقد نَجح الاستعمار الغَربي في اختراق حُصوننا المَنعية و دَمر الإبداع والتَفكير والنَجاح لدى شَبابنا وفَتياتنا ، فَكيف سَنبي وَطننا العربي ، وكَيف سَنعيد بَناء ترساناتنا الأخلاقية ، وكَيف سَنزرع الخَير في نُفوسنا الشِريرة ..


* إن رحلة الحُب في حَياة الإنسان تَبدأ من الطُفولة، حَيث يَرتَبط الطفل بأمهِ بعمقٍ ويعتمدُ عَليها في كل احتياجاته، ويُصاب بالقَلق إذا غَابت عَنه، ويَبتهج عندما تَعود ، إنه حبٌ اعتمادي إلى أبعدِ الحُدود ، وما أن يَصل الطفل إلى الثالثة من عمره حتى يَبدأ في حبٍ من نوعٍ جَديد، حُب الصُحبة لبعض الأطفال من الذين في مثل عُمره ، فيما يَتجه الطفل بمشاعره وأحاسيسه نحو أبيه ليبدأ الإعجاب العميق به ، ويَتطور هذا الإعجاب إلى حدٍ شديد التَوهج نَحو الأم إذا كان الطفل ذكراً، أو ناحية الأب إذا كان الطفل أنثى ، ويَكبر الطفل ليَصل إلى السَادسة فَيبدأ في حُب مَجموعة أَصدقاء لَه من نفس عمره لأنه يَجد فيهم المَرح والتسلية، وقد يَجمع " شلة " الأصدقاء هُواية مشتركة، ويزيد على كل ذلك أن كلاً منهم يَقبل الآخر ويُحبه ، ومن بَعد ذلك يَصل الطفل إلى بدء المُراهقة بالبلوغ و خِلال مَرحلة المُراهقة يَطل الحُب الشَهواني وفي نَفس الوقت يَطل حُب آخر هو الحب الخَيالي الرُومانسي، ثم يَمتزجان في عاطفة واحدة رَغم اختلاف كل منهما فالحب الشهواني خشن وجسدي ، والحُب الرومانسي كريم وحنون ومثالي ومن الإثنين يأتي إلينا هذا المزيج المدهش الذي نبني به الحياة الأسرية.


* أيها الحُب الوفي تَحولت معانيك السامية ، ورسائلك الرقيقة إلى أَباطيل وأراجيف مدمرة وابتعد أيها الحب عن المودة والرحمة والخير الكبير .. والشاعر يقول : لَعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أحلام الرجال تضيــق .. ففي عصرنا هذا ، عصر المدنية والحضارة الحديثة ، عصر الجمال الصناعي ، عصر المجون والفسق العلني.. فَقَد الحُب الحَقيقي مَعانيه السامية ، فالحب الحقيقي والسعادة الحقيقية ، لا تُشترى بمال ! .. نَعم يمكن شراء السَعادة الخَيالية ، والحُب المُزيف ، والصحة الوهمية ، ولكن أموال الدنيا كلها تَعجز أن تَشتري قلباً ، أو تزرع حباً ، أو تصنع هناءً .


* وسأذكر هنا أعظم وأقوى قصص حبٍ نسجت بأحرفٍ من نور في تاريخ الأمة المصون .. فما رأيكم في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام وزوجته " سارة " فقد كان يُحبها حباً شديداً ، حتى أنه عَاش مَعها ثَمانين عاماً ، وهي لا تُنجب ، لكنه من اَجل حبه لا يُريد أن يَتزوج عَليها أبداً ، لدرجة انه لم يَتزوج هاجر " أم إسماعيل " إلا حَين طَلبت منه " سارة " وأَصرت على أن يَتزوج حَتى ينجب ... ها هي معجزات الحُب مع بداية الزَمان ... ثَمانون عاماً من العشقِ والهيمانِ يعيشان في كنفٍ تعمها الرحمة والمودة والمحبة ..


* أما سيدنا عمرو بن العاص " رَضي الله عَنه " فقصته عجيبة مع " الحب " ، لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم في سرية ذات السلاسل ، والرسول صلى الله عليه وسلم ، راجع مُنتصر منها ، فَأراد سَيدنا عَمر بن العاص أن يَكون له نَصيبٌ من قلبِ الحَبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال له : من أحب الناس إليك ؟؟ فقال رسولنا الكريم : " عائشة " ..


* أما الفاروق عمر أمير المؤمنين فقصته مختلفة مع " الحُب " فعمر معروف عنه بالشدة كيف لا وهو الفاروق ، كيف لا وهو الذي قال منذ أن سمع نبأ وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، من قال أن محمد مات فسأقطع رأسه ـ فقد ضاق أحد الصَحابة ذرعاً من زَوجته لعلو صوتها دوما ، فذهب هذا الصَحابي الجَليل ليَشتكي إلى أَمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ، فذهب ليطرق الباب ، ليَجد صَوت زوجة " الفاروق " يَعلو عَلى صوت سيدنا " عمر " ويَصل إلى الشَارع ، فَخاب أَمل الصَحابي ، وبَينما يَنوي المُضي ، فإذا بعمر رَضي الله عَنه ، يَفتح البَاب ويقول للصَحابي : " كأنك جئت لي ، قَال نعم ، لقد جئت لك لكي اشتكي زوجتي ، فصوتها يرتفع دوماً علي ، فوجدت عندك مثل ما عندي .. فرد عليه أمير المؤمنين قائلا له " تَحملتني .. غَسلت ثيابي .. وبَسطت مَنامي .. ورَبت أولادي .. ونَظفت بَيتي .. تَفعل كل ذلك ولم يَأمرها الله بذلك ، إنما تَفعله طَواعية وتَحملت كل ذلك .. أفلا أتحملها إن رفعت صوتها " ..


إلى الملتقى ،،


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024