إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

حضارتنا ..

غسان مصطفى الشامي

نسخة للطباعة 2008-10-04

إقرأ ايضاً


كنا أقوام نحيا جاهيلة كبرى في كافة مناحي الحياة وتعيش في غابة يأكل القوي الضعيف ولا يحكمنا قانوناً أو نظاماً ولا تحدنا حقوقاً أو واجبات، وما أن أشرق الإسلام بنوره وخيره الكبير حتى بزغ فجر الحضارة والعلم والنظام، وبدأت حياتنا تنتظم نحو الخير العام، وبدأ الإسلام يَنشر حَضارته وتَعاليمه السامية بالعدل والخير والقيم الإنسانية و ليس بحد السيف؛ كم أن الإسلام منح الإنسان قيمة وقدر كبير، وكرمه في البر والبحر، وجعل من حياته أسمى وأعظم ما في هذا الكون، كما وجه الإسلام الإنسان إلى الفطرة السليمة ..

ويقول الفلاسفة إن الحضارة الحقيقية هي ليست في الغاز، ولا في البخار، ولا في الكهرباء، بل هي في الكفاح ضد وحشية الغرائز، والحضارة التي لا تكون أكثر من حضارة مادية هي حضارة بربرية، فاليونان والرومان كانوا من الشعوب المثقفة، وهذا مختلف جدا عن الحضارة، فالثقافة هي طلاء وليست أكثر من طلاء الحضارة، فيما كانت الحضارة العربية هي التي ساهمت في أكبر قسط في تمدين العالم لأنها جعلت من السلطة المركزية شيئاً ذا حرمة، وجعلت من الطاعة لهذه السلطة أمراً مقدساً، وقال الله تعالى " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " ( النساء آية 58 ) وبذلك نفت وجوب أي طاعة للحكام الأجانب والمستعمرين، كما جَعل إسلامنا العظيم من نكران الذات والتضحية والإحسان شيئا إلهياً، وقال الله تعالى " وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله " ( التوبة 41)، كما قال " إن الله يأمركم بالعدل والإحسان " ( النحل آية 90 ) .

وقد استطاع المسلمون الأوائل بناة الحضارة الإسلامية الشامخة بقوة إيمانهم وعقيدتهم أن ينشروا دين الله وان ينشروا الخير للناس جميعا، وأقاموا دولة إسلامية فسيحة الأرجاء مترامية الأطراف، تستظل بظل الإسلام بما فيه حق وعدل وخير للبشرية جمعاء ..

ولقد كانت الحضارة الإسلامية بمثابة المنقذ والمخّلِص للبشرية من التيه والضياع، بما قدمته هذه الحضارة من علوم وآثار فكرية ساهمت في تطور البشرية، فقد جمعت الحضارة الإسلامية بين الدين والدنيا وبين الروح والمادة، فيما استطاع المسلمون أن يزاوجوا بين تعاليم دينهم وبين البحث العلمي، كما كان رسولنا الأعظم محمد "صلى الله عليه وسلم" يحترم العلم ويقدر العلماء، فقد كان يعتق أسرى المشركين مقابل تعليمهم أبناء المسلمين القراءة والكتابة، كما كان الخلفاء الراشدين يحترمون العلم والفكر الإنساني، ولا يفرضون حواجز على الإبداع والابتكار ..فيما كانت أوروبا تحيا في ظلام دامس وجهل مطبق، وكان رجال الكنيسة يحاكمون العلماء وينصبوا لهم المشانق، ويضطهدون كل صاحب علم وفكر.

ولقد كان الخلفاء المسلمين يقدرون العلماء ويقربونهم إليهم، ويعقدون لهم المجالس للمناظرة في العلوم على اختلاف أنواعها، وفي الآداب على تنوع وجهاتها، وكثيرا ما اختار الخلفاء من العلماء الوزراء والولاة، وكانوا يجزلون لهم العطايا والهبات، وكان الخلفاء يفرضون على أبنائهم وحتى الجواري والخدم حب العلم .

وعلى الجانب الآخر فقد عاقبت الكنيسة العلماء والمفكرين وأصحاب الرأي ومهم العالم " جاليلو" فقد عوقب بالحبس والقتل لأنه اعتقد بدوران الأرض، كما سجن العالم " دي ملش" في روما حتى مات، وبعد موته حكم على جثته بالحرق، لا لشيء إلا انه قال : " إن قوس قزح " ليس مرسلا من عند الله لعقاب عباده، بل هو حقيقة علمية نتيجة لانعكاس ضوء الشمس على نقاط الماء من السماء...

لقد دعا الإسلام العظيم إلى المساواة في الحقوق والواجبات بين الأجناس، و لافرق بين عربي وأعجمي، ولا فرق بين اسود وأبيض إلا بالتقوى والإيمان والعمل الصالح، كما ضمن الإسلام بحضارته الشامخة الحرية والراحة والأمن والطمأنينة للمواطن، وعمل على إشاعة المودة والإخاء والرحمة بين الناس..

إن الحريات والحقوق الإنسانية التي نادى بها الإسلام العظيم قبل أربعة عشر قرنا من الزمان أقرتها هيئة الأمم المتحدة عام 1948وقدمتها كميثاق عالمي لحقوق الإنسان ..

من أكثر حضارات الأرض، تأثيرا على تقدم البشرية، والعالم بأسره، فقد كان للعلماء المسلمين فضلهم الكبير على الحضارة الإنسانية في شتى العلوم منها الطب والرياضيات والكيمياء والفلك والأحياء وغيرها من العلوم حتى البارود وصناعة القذائف، فقد كان لأحد العلماء العرب فضلا في المساهمة في صناعة القذائف التي استخدمها الهنود ..

ويعترف الفيلسوف الألماني( هومبولد) بأن العرب قد أبدعوا شيئاً كثيرا في الطب، وأوجدوا علم الصيدلة، وعرفوا كثيرا من النباتات الطبية ما كان يعرفها الإغريقيون، وجاء ذكرها عند علماؤنا المسلمين أمثال ابن سينا وابن داود وابن البيطار وغيرهم، ولا يزال كثيرا منها مستعملا ومعروفا بالأسماء العربية بعد تحريفها ..

وتقول الدكتورة " شوارتزهيت" وزير الصحة الألمانية خلال افتتاح المؤتمر الدولي للبلهارسيا بالقاهرة : إن الغرب لن ينسى أبدا انه مدين لعلماء المسلمين بدراسة الطب، وان مؤلفات الزهراوي وابن سينا والرازي كانت هي الكتب الوحيدة التي تدرس في جامعة " بالرمو " بصقلية التي كانت تضم أشهر مدرسة للطب في العالم والغربي..

كما أن للمسلمين دور كبير في تأسيس البنوك وعالم المال فقد قال الكاتب الإنجليزي " تشايلدرز" : البنوك التي تحيط بالميدان تستعمل الصكوك في معاملاتها، وهي صكوك كان المسلمون العرب أول من استعملها في التجارة، ثم انتقلت إلى أوروبا فأصبحت " الشيكات" وهذه البنوك تستعمل الأرقام، كما يستعملها كل أوروبي وهي أرقام عربية مازالت إلى اليوم تعرف بهذا الاسم ..

كما وصف المفكرون انطباع العالم المسلم " الطرطوشي" عند زيارته لبلاد الإفرنج في تلك الآونة وكيف كان " وهو المسلم الذي يتوضأ قبل كل فرض من فروض الصلاة الخمسة، يستنكر حال القذارة التي يحياه الإفرنج، وأبدى دهشته من أنهم لا يغتسلون إلا مرة أو مرتين كل عام، وبالماء البارد، أما ملابسهم فلا يغسلونها، بعد أن يلبسوها لكي لا تتمزق" .

كما تأثرت المجتمعات الغربية بالنظافة الإسلامية واهتمام المسلمين بتطوير أدوات النظافة واهتمامهم بالحمامات، فقد بلغ عدد ما وجد منها في الجانب الشرقي وحده من بغداد في القرن الثالث الهجري خمسة آلاف حمام، كما بلغ عدد ما وجد منها في الجانبين معا، في القرن الرابع هجري عشرة آلاف حمام، فيما وجد في العاصمة المصرية أيام الفاطميين سبعون ومائة ألف حمام ..

وقد لمس الصليبون هذه الحياة الإسلامية وأدركوا أثر الحمامات، بما فيها من وسائل الراحة والنظافة والزينة، فهاموا بها، كما هام أولئك الغربيون الذي شاهدوها في اسبانيا وصقلية فأصروا جميعا على إدخالها في أوروبا، برغم من كل المعارضات والاستنكارات والمطالبة بعدم إدخالها ..

كما أن المجاري التي شقت تحت المدن، هي الأخرى من ابتكار العرب المسلمون في بغداد وقرطبة في زمن كانت فيه لندن وكل مدينة في أوروبا تزكم روائح فضلاتها الأنوف، وتغوص أقدام سكانها في الوحل والنفايات ...

وقال القائد " نلسون " الذي يناطح تمثاله السحب، إنما استطاع أن يجوب بأسطوله البحار، ويصل إلى " الطرف الأغر " في اسبانيا، بفضل التحسينات الكبيرة التي أضافها الملاحون العرب إلى السفن، يوم كانوا يسيطرون على أطول خط بحري عرفه العالم القديم، يمتد من البحر الأحمر والخليج العربي، حتى " كانتون" في الصين، ولما أرادت بريطانيا أن تكرم قائدها لانتصاراته الباهرة لم تجد بين ألقابها أرفع من لقب أدميرال المنقول عن العربية " أمير البحر " بعد تحريفها ..

كما كان للعلماء المسلمين فضلا كبيرا في الماء التي تنفثه النافورات عند التماثيل في الميادين العامة، ما كان ليكون نقيا، لولا الكيمياء التي للمسلمين فضلا كبيرا في وضع اسمها وفي تقديم عمليات التقطير ..

إلى الملتقى ،،



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024