إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أنا آسف ..

غسان مصطفى الشامي

نسخة للطباعة 2007-01-19

إقرأ ايضاً


ثقافة الأسف من الثقافات التي تَضل طَريقها كَثيرا في بلاد ابن خلدون وَاضع علم العمران البشري ، ورُبما تُعتبر هذه الثقافة من الثقافات الهامة والتي آثرت أن اَكتب عنها ، لأنها أَرهقت المجتمعات العَربية وبددت ثَرواتهم التاريخية ، فَيما حَدث معي الكَثير من المواقف رُبما لكثرة علاقاتي وتَشعبها وحبي للناس والحياة ، وكُنت اخطأ بحق الآخرين فأبادر بالأسف لهم بكل ود وتقدير ، وتجد الآخرين لا يَقبلون منك الاعتذار فما السبب لا اعرف ؟؟!!، هل السبب المُجتمع أما ماذا ؟؟ و لهذه اللحظة لا أَجد تَفسيراً لماذا يَرفض الآخرون الاعتذار عن أَخطائهم ، وعند الاعتذار لماذا لا يَلتمس الآخرون هذه الأعذار ويقبلونها بكل حب وتقدير وإخاء ووفاء ..

* غالباً ما يرفض الآخرون الاعتذار لمن يخطئوا بحقهم ، وبعضنا يَظن أنهم لا يخطئون ، وهل نحن أنبياء معصومون من الخطأ والنسيان ؟؟ ولا نرقى إلى درجة الصحابة والتابعيين أيضا ... ، آخرون لا يعترفون بأخطائهم أبداً ، فيما يعتقد البعض الآخر البعض الآخر أن الاعتذار جرح للكرامة وضعفاً للشخصية ، فيما ترى من قال إن الاعتذار جُرحاً للكرامة والكبرياء وضعفاً للشخصية ، وهناك من يقول إن الاعتذار ضعف وإهانة ... أقوال كثيرة ولا نعرف أين الصحيح فيها ..!!

* قارئي العزيز ...أسئلة هامة وملحة ... أين نَحن من ثقافة الأسف ؟؟ وما الذي جعلنا نَقتل بداخلنا هذه الصفة النبيلة ؟؟ ولماذا غابت " الأسف " من حياتنا ؟؟ وأين نَحن ممن يعتذر ؟؟ وهل نَحن ممن يعتذر ـ أَشُكُ ـ ومتى وكيف ؟؟ وهل كلمة الاعتذار غَير موجودة في قَاموسنا الحياتي أو في أبجديات حياتنا العملية ؟؟ والبَشر يُخطئون ويعودون عما ارتكبوه من أخطاء ، فالله سبحانه وتعالى قد قَبل من عبده الضعيف وعفا عنه فما بال البشر اليوم ...؟؟!!! أجيبوني أعزكم الله ، وفي الحديث القدسي جاء " يا عبادي لولا أنكم لا تخطئون لأتيت بقوم غيركم ، يخطئون ويستغفرونني فأغفر لهم " ، يَجب أن نتعامل مع بعضنا على أننا بَشر وليس ملائكة لا تخطئ ، فذلك من شأنه أن يجعل الآخر يمد يد العون والمسامحة ..، وعنه صلى الله عليه وسلم " كل ابن آدم خطأ وخير الخطائين التوابون " ..

* أنا آسف .. وان أقول لكم ، لَقد نجح الاستعمار والغزو الثقافي والفكري ، في وئد الأمة العربية الإسلامية ، وحَققت ما يَصبو إليه ، فَقد تلاشى مَفهوم " الأَسف " بَين النَاس بسبب ضعف القيم الأخلاقية والاجتماعية التي يفتقدها مجتمعنا ، إضافة إلى عَدم تَرسيخ قَيم الاعتذار عند الأطفال منذ الصغر ، فالعلم بالصغر كالنقش بالحجر ، كَما أن وسائل إعلامنا المبجلة ، تَلعب دوراً هاماً ورئيسياً في المحافظة على هذه القيم النبيلة والجميلة وتدعيم ركائزها في مجتمعاتنا العربية ، فالمُسلسلات والأفلام الهَابطة التي تَعج بفضائنا العربي الموقر ، قد تُكسب شخصياتنا عدم الاحترام والانحطاط الأخلاقي والغُرور الزَائد ، ناهيك عن التقليد الأعمى ، فينتج عن ذلك عدم الاعتذار والمكابرة على الإصرار في الخطأ ، فهذه الشخصية ، تَجعل من الاعتذار ، جرحاً ، والكبرياء ، وضعفاً ووهناً في الشخصية " .

* إن هذه الشَخصية قد تكون فَاقدة للثقة وتَقدير الذات ، ضعيفة ، متقلبة ، مُحتقرة لذاتها ، لا تَحترم الآخرين ، متغيرة الرأي ، تَعيش في وَهم أساسه أنها لا تُخطئ ، وهنا المُصيبة الكُبرى في تَمادي هُؤلاء الأشخاص في أَخطائهم الكثيرة ..

* وَحسب المتخصصون فإن الاعتذار يُدلل على شَخصيتان مُنفصلتان ، الأُولى مُتواضعة وهي التي تَعترف بخَطئها وتَتأسف لما بَدر منها ، وتَستفيد منه فتقلل من أخطائها ، وهي شخصية قَوية وصَلبة ، ولَها من السمات الجَميلة التي تفتقد في المجتمع ، أما الشَخصية الثانية فهي شخصية مُستسلمة ، فهي تَعتذر للهروب من المَواقف ، وكَلمة الأَسف بالنسبة لهذه الشخصية لا قيمة لَها ، حَيث من المُمكن أن تَقولها مائة مَرة في اليَوم لأي شَخص ، وفي أي مَوقف ، وتَكرر الشخصية المستسلمة أخطائها باستمرار ولا تَستفيد منها ...

* كلمة آسف لَيست لبانة تُمضغ ، وإنما تُقال لهدف يَتعلم منه المُخطئ قبل أَن يَعفو عَن مَن اَخطأ بحقه ، و إلا افتقدت قيمتها ، وفرغت من معناها ، وأَفضل طَريقة للاعتذار هي الاعتراف بالخَطأ دون مُجاملة ، أو استخدام أُسلوب التَبرير لتَوضيح المُوقف ، لأن كلمة آسف عندما تكون في مَوضعها ، تَقضي على الغَضبِ ، والكراهيةِ ، والحقدِ ، وتجعل النفس راضية " ..

* أما عن كَيفية تَعليم الاعتذار فَيقول المُتخصصون ، يَكون تَعليم الاعتذار من خِلال التَنشئة الاجتماعية ، حين نَقوم بقول الصِدق في كل أَمورنا ، وتُربي الأسرة أبنائها على هذا الفن منذ صغرهم وتعودهم على استخدام عبارة " لو سمحت " في كل تعاملاتهم ، وان نجعلهم يعترفون بالخطأ فور وقوعهم فيه ، ومن ثم الاعتذار ...

* إن ديننا الإسلامي الحَنيف وشريعتنا المباركة السمحاء حَثت على اعتذار الأشخاص إذا اَخطأ في حق الغَير أو أخيه المسلم ، فالصحابة رضوان الله عليهم أخطئوا في حق بَعضهم واعترفوا بخطئهم واعتَذروا ، وهُنا اَسرد لَكم قصة الصحابي الجليل أبا ذَر رضي الله عنه، عندما قال لسيدنا بلال الحبشي رضي الله عنه " يا ابن السوداء " فَغضب الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم لذلك غضباً شديداً ، فأعتذر لأبي ذر ووضع وجهه على الأرض وقال له ضع قدمك على وجهك ، وقبل بلال اعتذاره وسامحه ..

ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قدوتنا يقول في الحديث " ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " ..

أنا آسف ... إلى كل الذين أخطأت بحَقهم ،،،


إلى الملتقى ،،


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024