كنا ثلاثة، موظفون في مصارف مختلفة، في ستينات القرن الماضي،
ألك كساب في مصرف BNCI
الرفيق نبيل زيدان في مصرف Eastern Bank LTD
والامين لبيب ناصيف في بنكو دي روما
كانت تربط ألك كساب ابن العائلة المسيحية البورجوازية في الاشرفية علاقة صداقة متينة مع الرفيق نبيل زيدان، وعبره مع عدد من الرفقاء في منطقة عالية
بفعل هذه الصداقة تعرّف ألك على الحزب، وعلى رفقاء الى ان اقتنع فأدّى القسم، عضواً سرياً(1) بعد ان تبين للمسؤولين حينذاك فائدة ذلك.
وتعرّفتُ بدوري الى الرفيق ألك وبات من اصدقائي. طالما زارنا في منزلنا، وترددت الى منزله وسط المدينة، ذلك المنزل من 450 متراً مربعاً، الذي ما ان تدخل إليه حتى تجد نفسك أمام مفروشات وآلات موسيقية وتحف عتيقة، تدل كلها على ما يتمتع به اهله من عراقة لافتة.
كان يستضيف في المنزل عائلة مدبرة المنزل. كان لها جناحها الخاص، وكان "ألك" لا يصرف فقط على إعالتها، انما ايضاً على تعليم اولادها الى ان كبروا وبات احدهم محامياً شاطراً.
نادراً ما سمعتُ عمته المقيمة معه تحكي العربية. فهي ضليعة بالفرنسية ولا تنطق الا بها، وكان طبيعياً ان ينمو اولاده في هذا الجو بحيث اني كنت اتوّجه مداعباً الى ابنه نديم، كيفك "فرنسوا ميتران؟"(2)
*
كان "ألك" قد ارتبط بعلاقة حب بإحدى رفيقاتنا من مذهب الموحدين، حاول وحاولتُ، الى ان قررت الهجرة. باتت ليلتها الاخيرة في منزلنا، وفي الصباح الباكر اوصلتها عقيلتي الرفيقة اخلاص (الامينة لاحقاً) الى المطار.
بقيتُ على تواصل مستمر مع الرفيق ألك. لا اذكر كم مرة توجهنا الى مناسبات حزبية، والى مخيمات للحزب، انما دائماً كان "مواطناً".
عندما تولى الرفيق نبيل زيدان مسؤولية ناظر اذاعة منفذية الغرب في فترة تولي الامين محمد سلامة عبد الخالق(3) مسؤولية المنفذ العام، ارتبط الرفيق ألك بصداقة قوية معه، مع شقيقه الشاعر الرفيق فوزي، ومع عدد آخر من رفقاء منفذية الغرب.
*
وغادر الرفيق نبيل الى الولايات المتحدة لاسباب تتعلق بالوضع الصحي لأبنه البكر، انما بقي على تواصل مع صديقه الاحب الرفيق ألك، حتى اني كلما رغبت الاطمئنان عن الرفيق نبيل، اتصلتُ بالرفيق ألك.
وارتبط الرفيق ألك، بعد مضي فترة على مغادرة حبيبته الوطن، بالانسة أنيسة قباني(4) وبعد مضي فترة اقترن بها مؤسساً معها عائلة نموذجية.
كانت أنيسة، وان لم تنتمِ، صديقة للحزب ومتفهمة جداً لعقيدته، تتمتع بالذكاء والشخصية المحببة، والخلق الرفيع، لذا كانت لدي موضع ثقة ومودة، استمرت الى ان خسرناها باكراً، تنبض بكل المزايا الرائعة التي تتحلى بها.
شكلت خسارته لعقيلته أنيسة صدمة هائلة. كنت اتفقده، فأرى عافيته تتراجع، مع آلام نفسية تكبر يوماً بعد يوم.
بتاريخ 22 الجاري اتصلتُ بالرفيق الصديق سامي فاضل، ففاجأني بإبلاغي عن وفاة الرفيق ألك.
وأنا احرر هذه الكلمة، استعيد في ذهني يوم وقفت مع الرفيق ألك والرفيقة ابتسام نويهض(5) في مخيم للاشبال، أقيم في "ضهور الشوير" وما زلت أذكر وقوف الرفيق يوسف سالم(6) الى جانبنا، وعدد كبير من رفقاء ورفيقات، سأجهد كي احصل على أكثر من صورة ألتقطت في المخيم المذكور، فننشرها. فتبقى كلمتي هذه وصورة الرفيق ألك، للتاريخ، ووقفة وفاء لرفيق أحببته وكانت علاقتي به مميّزة الى ان رحل.
عسى اذ يقرأ الرفيق نبيل زيدان كلمتي هذه، ويقرأ رفقاء كثر عرفوا الرفيق ألك كساب، سيذرفون دمعة أسى على رحيله، كما ذرفتُ. البقاء للامة يا رفيقي ألك كساب.
هوامش:
(1) اعرف قليلاً عن المهمات التي كانت توكل إليه. يعرفها أكثر الرفيق نبيل زيدان، وأكثر ايضاً الامين الراحل محمد سلامة عبد الخالق
(2) فرنسوا ميتران: احد رؤساء جمهورية فرنسا، وكان رئيساً للحزب الاشتراكي
(3) محمد سلامة عبد الخالق: تولى في الحزب مسؤوليات مركزية، وكان يملك ثقافة عقائدية جيدة. سننشر عنه نبذة في وقت لاحق.
(4) أنيسة قباني: ابنة عم النائب محمد قباني.
(5) ابتسام نويهض: نشطت حزبياً وكانت مسؤولة عن الاشبال في منفذية بيروت، اقترنت من القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تيسير قبعة.
(6) يوسف سالم: تحدثنا عنه في عديد من المناسبات . للاطلاع مراجعة قسم "من تاريخنا" على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
|