أخي العزيز ادوار،
بينما أنا أهم بالاجابة على كتابك المؤرخ في 28 سبتمبر الذي تسلمته من نحو عشرة أيام اذا بأوراق البريد تردني لتسلم كتبي المسجلة فذهبت بنفسي وتسلمتها وفي عدادها كتابان منك الواحد تاريخه 4 والثاني تاريخه 7 اكتوبر الحاضر.
قد فعلت حسناً هذه المرة باطلاعي على تطورات افكارك واتجاهاتك الجديدة فلعلي اسدي إليك نصيحة تنفعك ولعلك تقبل نصحي.
من كتابيك الأخيرين فهمت وعرفت انك بعد ارسالك كتابك الأول مررت "بمكتبة الولاية" في سان باولو وأخذت منها كتباً وتواريخ وخرائط وأنك بناء على هذه المطالعات الجديدة تفكر في وضع كتاب بعنوان "تاريخ شبه جزيرة العربية" تقول فيه بأمة واحدة هي الأمة العربية وبلاد واحدة هي شبه الجزيرة العربية وتدخل في شبه الجزيرة هذه سورية كلها.
أعتقد يا أخي وأوقن انك لست في اقدامك على مشروعك الجديد، بعد صدفة اطلاعك على بعض الكتب، أقل تسرعاً في الاستنتاجات والعمل الاستبدادي Arbitrario منك على اقدامك على مشروعك التأليفي الأول انتهى بأنك أحرقت النسخ التي بقيت عندك من مؤلفك الأول في أوائل هذه السنة أي بعض مضي سنة على اخراجه، انك يا أخي تتسرع في الاحكام والعلم وانتقاداتك في الشؤون التاريخية والاجتماعية بواسطة التأليف يعني أنك تريد درس المواضيع التاريخية والاجتماعية بواسطة اصدار مؤلفات تلخص فيها ما ما يتفق لك الاطلاع عليه فيكون كل كتاب تلخيصاً لبعض الكتب التي تقع بين يديك مع استنتاجات مستعجلة منك. وفي هذا العمل عناء كبير وانفاق وقت ومال للخروج بفوضى وبلبلة في المعرفة تضران المؤلف والقراء على السواء.
اذكرك عند الحد بنصيحتي الأولى لك عندما اطلعتني على رغبتك في تأليف تاريخ سورية بالاستناد الى تاريخ "كيسر كنتو" مدحت لي كثيراً وجعلته أهم مؤلف تاريخي في العالم، فقد نبهتك الى وجود مصادر رئيسية لا يمكن كتابة تاريخ سورية دون العودة إليها. ولكنك لم تشأ قبول نصيحتي وكنت مستعجلاً في اخراج مؤلفك الذي لا آسف لأنك أحرقت نسخه الباقية لأن أغلاطه كبيرة تشوّه الحقيقة.
وأتعجب الآن أنك ان رأيت غلطك وأحرقت مؤلفك تعود الى ارتكاب الغلط عينه بمحاولتك اصلاح غلط مؤلفك الأول باصدار مؤلف جديد يرجح أن تكون أغلاطه أعظم من أغلاط الكتاب الأول. ان نصيحتي لك هي:
1- أن تعلم أنك لم تدرس علم التاريخ وتواريخ العصور والأمم وعلم الاجتماع Sociologia والثقافة الانسانية.
2- ان تعلم ان الاطلاع في بعض الكتب من غير سابق درس وعلم صحيح واسع شامل القضايا التي يقصد درسها هو دائماً علم ناقص وغير ممتحن.
3- ان الموضوع التاريخي والموضوع الاجتماعي لسورية وللعربة هما شيئان جديدان لك واطلاعك فيهما ناقص وليس حولك من يقدر ان يرشدك في دراستك ارشاد معلم أو خبير.
4- انك في دراستك المستعجلة الفوضوية تهمل النظر في قواعد جوهرية مرت أمامك كالقواعد العلمية الاجتماعية الواردة في كتابي الأول "نشؤ الأمم" ولا تناقش استنتاجاتك العجلى بها؟
5- انك تهمل الرجوع الى كتابات ذات قيمة علمية تصدر في "النظام الجديد".
6- انك لا تطلب الكتب اللازمة لمعرفتك في الموضوع الذي تريد معالجته بل تكتفي بما هو موجود في "مكتبة الولاية" في سان باولو Biblioteca do Estado وهو قليل جداً ولا يفي بالغرض فيجب ان تعلم هذه الأمور.
7- اذا كنت تريد الاهتمام بدراسة تركيب الأمة التي تنتمي اليها يجب عليك أن تقوم بدراسة علمية واسعة مرتبة Sistematica تتناول علم الاجتماع وعلم التاريخ ثم تدرس المؤلفات الاختصاصية في المجتمع السوري وتاريخ سورية وشعوبها وفي مجموع العرب أي سكان الصحراء أو العربة Arabia (والعربة تعني الصحراء، والعرب، بصرف النظر عن حقبة فتحهم الديني وعن وجود دولتين أوليتين فيهم، يدخلون في الابحاث الاتنولوجية اكثر مما يدخلون في الابحاث التاريخية والثقافية.
8- تقول في كتابك المؤرخ في 4 اكتوبر انك اردت"وضع حل للمشكل السوري العربي". فالصحيح انه لا يوجد مشكل سوري عربي بل مشكلة نفسية في أذهان السوريين نشأت بعد مدة من الفتح العربي المحمدي بسبب الدين المحمدي واللغة العربية التي فرضت على البلاد بأمر من عبد الملك بن مروان ثالث الخلفاء الأمويين ولم تتغلب على السريانية التي كانت لغة البلاد الأصلية الا بعد مدة طويلة وبعامل الدين.
9- أما قولك أنك وجدت أن التاريخ السوري والتاريخ العربي تاريخاً واحداً و "أن الاسم السوري وجد فقط في أيام "السلوقيين" فهو يشبه القول انك تجد تاريخ المانية وفرنسة وبريطانية تاريخاً واحداً وكذلك تاريخ اسبانية والبرتغال وتاريخ أوروبة وآسية. وأما كون اسم سورية عرف بشموله البلاد السورية بحدودها الطبيعية في العهد السلوقي أولاً فلا ضير وجود الأمة السورية، كما لا يضير فرنسة أن اسمها ابتدأ يأخذ شكله التهائي بعد مدة من الفتح الفرنكي الجرماني، وبريطانية العظمى كانت أيضاً مدة من الزمن في حالة بروفنسية – ولاية – وهذه الدولة يحكمها الآن ملوك من بيت ساكس كوربورغ غوته الماني. وقولك انك شعرت "اننا عرب وان تاريخنا واحد واللغة واحدة والعادات واحدة الخ..." هو كلام خصوصي خال من الصفة العلمية. فليست سورية والعربة بلاداً واحدة والخريطة التي رسمتها أنت لسورية وشبه الجزيرة تظهر لك الفرق العظيم بين سورية – انهرها وجبالها وسهولها من جهة – والعربة الصحراوية القاحلة من جهة أخرى، وليست العادات والتقاليد السورية والعادات والتقاليد العربية واحدة. أما شأن اللغة فليس كما تتصور فقد غير الفتح النورماندي لغة الانكليز الجرمانية وبقيت انكلترة سكسونية وانكليزية في قوميتها. واتحاد المانية الذي تشير اليه في رسالتك الثانية لم يكن اتحاد العالم الآري أو وحدته. فان المانية توحدت ولكن الأمم الآرية بقيت أمماً قائمة بنفسها فبقيت الأمة الأسوجية والأمة الهولندية والأمة الفرنسية والأمة الانكليزية وغيرها. وتوحيد سورية شيء وتوحيد العالم السامي شيء آخر، ان هذه المواضيع تحتاج الى درس علمي اجتماعي ويمكنك أن تقوم بهذا الدرس في "نشوء الأمم" (الكتاب الأول) وأن تعطي امتحاناً في ما استحضرته منه قبل أن تبتدىء رسم حدود الدولة التي تتخيلها والأمة التي لا تعرف طابعها وواقعها.
10- ان استشاهدك بأبيات الدكتور خليل سعاده لا يفيد النتيجة التي وصلنا اليها انه أراد جمع أمجاد المزيج السوري ولم يرد ان السوريين عرب وجزء من "الأمة العربية" واذا كان الدكتور سعاده قد جارى في آخر أيامه ضجيج المستعربين فلأنه لم يكن متمكناً من المسائل القومية ولذلك لم يتمكن من تأسيس عقيدة تقوم عليها نهضة صحيحة. وهو استعمل "سورية ولبنان" فجعل سورية شيئاً ولبنان شيئاً آخر مع أنه كان سورياً في مذهبه وتفكيره وشعوره.
11- تقول انك لا تقدر أن تكون بولس "الأمة العربية" وتظن أنني أنا أقدر أن أكون ذلك البولس. ان المسألة ليست مسألة بولس بل مسألة الحقيقة والواقع والقضية الصحيحة. ان سورية – الأمة السورية هي التي تقدر أن تتزعم العالم العربي اللسان وتقوده، وبهذا الشكل فقط يجب فهم قول القائلين اني (منقذ العرب) بتعبيرهم غير الواعي.
12- انك بمناداتك "بالأمة العربية" تخرج نفسك من ولائك لأمتك السورية ومن ولائك للعقيدة السورية القومية الاجتماعية، ففكر فيما تقدم عليه قبل ان تصل الى احراقه والاحتراق معه.
13- يظهر من كتاباتك انك تضع علمك الناقص ورأيك في منزلة علم الزعيم الواسع الشامل ورأيه وتستغني عن ارشاده وتستقل برأيك فاتعظ بما قادك اليه اعتدادك السابق حين خالفت نصحي.
14- أخيراً انك تحتاج الى الدرس المنظم فادرس وادرس ملياً قبل أن تجزم في رأي نهائي وتتورط في ورطة جديدة، واعلم ان الخطوط على الورق لا تعني بلاداً واحدة خصوصاً متى كانت الخطوط خالية من الخطوط التبوغرافية. وهذا ما رأيت أن أذكره لك نقداً ونصحاً فبل اتخاذك خطوة جديدة قد تندم عليها كما ندمت على مثلها في الماضي. واني في كل حال اتمنى لك التوفيق.
بقي انني انتظر نتيجة اتصالك بأبناء سليمان طنس في اتيفد نتفا.
ثم اني أطلب ارسال مجموعة "المجلة" لسنة 1924-1932 ، ويوجد عدد من أعداد 1926 فيه مقال لي عن فلسطين تعليقاً عل زيارة احد دعاة الصهيونية لسان باولو في تلك السنة فإذا حظيت به فأرسله بطريقة أمينة.
ان حالة عائدة اثرت في كثيراً وأحزنتني، انتظر رسالتك المقبلة وأرجو لك النجاح في أعمالك التجارية، الرفيق ادوار مقدسي لا يزال في الوطن وقد اجتمعت به عدة مرات.
اكتوبر 1947 لك سلامي ولتحي سورية
توقيع الزعيم
|