قضية الرفيق الموقف فخري معلوف: بعد الاستعراض المتقدم الذي أثار فيَ ذكريات الجهاد الماضي وظروفه وقراءة تقريرك عن محاولتك ارجاع فخري معلوف عن تهوره في هوسه المذهبي، لا بد لي من اثبات حزني هنا على عذا الرفيق القديم وما صار اليه بعد ما كان يتوقع منه من النشاط في متابعة الغرض القومي الاجتماعي بعد نهاية دروسه الفلسفية. وقد تألمت جداً لحالته حين قرأت عبارتك: "فأبدى رغبة في تدوين هذه الأمور ودرسها والاستشارة بشأنها قبل اعطاء جواب نهائي"، فقد دل ذلك على استسلامه التام لمشيئة خارجة عنه بتحجر نفسي وتعطيل لمزايا حرية الفكر التي كان يمتاز بها في مدة وعيه القومي. واني اسائل نفسي: ترى هل يمكن ان يستعيد شخصيته ونشاطه العقلي وحرية ارادته اذا انتقل الى الوطن وتغيرت بيئته؟ ومما ورد في تقريرك فهمت انه احتفظ بالمراسلات التي جرت بيني وبينه ومنها ما هو ضروري وجوده في سجلات المنفذية خصوصاً رسائل توجيهي السياسي له في ما يتعلق بالاتصال بالحكومة الاميركانية، وشرح عقيدة حزبنا وغايتنا لها، وقد فعل وزار واشنطن وأرسل تقريراً عن نتيجة رحلته. والأرجح انه لن يسلمها لو سئل ذلك.
منفذية اميركانية: اقبل اقتراحك تأجيل التعيينات القانونية لتشكيل هيئة المنفذية الى ان تكون أتممت اتصالك بباقي الرفقاء واستوفيت استقصاءاتك. اما خطوط عمل المنفذية الأساسية فأريد أن أبدي في صددها ما يلي:
1 – ان الخطوط الأساسية لعمل أية منفذية او فرع في أي مهجر من المهاجر يجب ان تماثل الخطوط الأساسية لعمل اية منفذية او فرع آخر في ذات الوضعية وبالتالي: انه يجب وضع قواعد عامة للعمل السوري القومي الاجتماعي عبر الحدود يكلف مكتب عبر الحدود بالاشراف على تطبيقها. وهذا امر لم يوضع قبل الآن، لأن المعارك والسجون ابتدأت قبل ابتداء العمل عبر الحدود بصورة مباشرة. وأثناء وجود الزعيم في هذا المغترب لم يحصل تقدم واسع وبناء حزبي ثابت يدعو الى وضع قواعد التنظيم والتصنيف، فإن قضايا من ألف نوع كانت تتراكم في مكتب الزعيم وليست من طبيعة العمل التنظيمي البنائي.. ولما كنت في المسائل العملية عملياً جداً لم أشأ الابتداء بتخطيطات ووضع قواعد مشكوك في وجود حالة تسمح بتطبيقها. ولما كانت قواعد عملنا القومي العقائدي وبغض خطوطنا السياسية موجودة كان ذلك مواد كافيى لبدء العمل القومي الاجتماعي والاحتكاك بالمحيط لمعرفة مدى امكانياتنا فيه ونوع المواد التي نعمل فيها. ولم أر بأساً أن يبدأ العمل بأي طريقة كانت وبأبسط الخطط: بالاتصال بالسوريين المغتربين وايصال العقيدة الى افهامهم جميعاً وايقاظ الشعور القومي في نفوسهم وقبول من يعتنق منهم المبادىء ويرغب في العمل لها ومن ثم ينظر في أنواع الجماعات وفي تعيين أشكال تسمح باكتساب فئات منها بأشكال متنوعة، الا اذا حدث اتصال مباشر في الأول مع بعض الفئات الخصوصية الوضعية كالمتجنسين بجنسية مهجرهم وظهر حصول امكانيات واسعة لاكتساب عناصر عديدة منها لها وزن عددي او معنوي.
2 – ان لمهاجرينا أو مغتربينا حالة واحدة من خيث أسباب اغترابهم وأغراضه وهذا عمل واحد لجميع نزالاتنا مع اعتبارات تفاوت بعضها في بعض عناصرها وفي مبلغ تأثير بيئاتها الجديدة فيها ولكن العمل القومي الاجتماعي فيها كلها يجب أن يكون عملاً موحداً في خطوطه الأساسية.
3 – ان العمل في أوساط مغتربينا هو عمل قومي وطبيعته تختلف عن طبيعة العمل الاذاعي السياسي بين الشعوب لتوضيح قضيتنا القومية واكتساب ميلها وتحبيذها. وفي العمل القومي بين مغتربينا أخصر الكلام أولاً الغرض من انشاء مكتب عبر الحدود وهدف من أهداف حركتنا القومية الاجتماعية. ونظرتي الأساسية الى مغتربينا او مهاجرينا هي أنهم جزء من أمتنا فيجب أن نجعلهم جزءاً واعياً وأن نشركهم في نهضتنا. ومن حيث هم جزء له وضعية خاصة وظروف خاصة يمكن أن ينتظر من شمول الوعي القومي لهم فوائد خاصة.
فهدفنا العمل الأول في مغتربينا هو: توليد الوجدان القومي في أوساطهم واشراك العناصر الحية الصالحة منهم المعتنقة مبادىء النهضة القومية الاجتماعية في هذه النهضة بكل الحقوق والواجبات وبكامل الولاء والنظام.
4 – نرى من درس أحوال مهاجرينا انهم في تعرضهم لعوامل بيئتهم تأثروا بأنواع من خذخ العوامل وحصل تغيير محسوسة في الحالات الحقوقية – الجنسية لعدد منهم. ونتيجة ذلك حصول عدد من مغتربينا في حالة التجنس بجنسيات الأمم النازلين فيها. هذه الوضعية الحقوقية لي فيها نظر وتحليل فقد تبين لي أنها ليس لجميع أصحاب هذه الوضعية الحقوقية وضعية نفسية واحدة فيما يتعلق بوضعيتهم الحقوقية. ولا شك عندي في ان اقدام كقيرين منهم على التجنس لم يكن نتيجة اختيار منهم لجنسياتهم الجديدة بل نتيجة اضطرار او ما يشبهه. فقد وقفت على حادث تجنس شقيقين بالجنسية البرازيلية للسبب الآتي: قبل الحرب الأخيرة عاد أحد الأخوين لزيارة الوطن وعند بلوغ الباخرة مرفاء الاسكندرية أراد النزول الى البر والتجول مثل باقي السياح فلم يسمح له بالنزول الى البر، مع انه مسافر درجة أولى او ثانية، وبعد جهد جهيد سمح له بجولة قصيرة، بينما جميع الأوروبيين والأميركيين تمتعوا بحقوق واسعة وتلبية سريغة. فلما عاد الى البرازيل أجرى هو وأخوه معاملات التجنس بالجنسية البرازيلية كي لا يتعرضا للاهانة في مثل هذه الأحوال. وهناك من تجنسوا لأسباب تجارية ومن تجنسوا لأنهم لا يدرون لماذا تجنسوا وغير ذلك فادراكنا الواقعي لوضعيتهم يجب ان يبنى على معرفة أسباب تجنس كل واحد منهم ورغبته الخصوصية في هذا الصدد بعد ادراكه النظرة القومية التي كان يجهلها حين أقدم على تجنسه. ويجب أن لا نتخلى عن حقوقنا فيهم بسهولة. وفي عملنا بينهم يمكن ان نميز بين من يريد منهم أن يكون سورياً قومياً ومن يريدون الجمع بين ولاءين لقوميتهم الأصلية ولجنسيتهم الجديدة كالذين أقسموا اليمين الحزبية مع تحفظهم ان لا يكون في عملهم لسورية ما يضاد او ينقض ولاءهم لاميركانية. وطريقة عملنا معهم تتوقف على نوع انضمامهم الينا ومبلف عدد كل نوع من أنواعهم.
5 – أبناء السوريين عموماً وأبناء القوميين الاجتماعيين: يكونون نقطة نزاع شديد بين نظرتنا اليهم ونظرة دول الأقطار التي يولدون فيها. قبل حصول الوجدان القومي كان السوري المهاجر يعد مولوده في المهجر للأرض التي يولد فيها لعدم وجود شخصية قومية له يجب استبقاؤها في نسله فلا يهمه أتعلـّم ابنه لغته ام لم يتعلم ولا يهمه أعرِف شيئاً عن تاريخ الشعب المتحدر منه ام لم يعرف. والسوري مشهور بسرعة فنائه في الشعوب التي يغترب فيها، ولكن هذا المشكل النظري صعب الحل نظراً لنوع ثقافة مغتربينا اللاقومي – إذا كانت لهم ثقافة – وصعوبته في الأكثر في أبناء السوريين اللاقوميين وتقل هذه الصعوبة في الأبناء المولودين لقوميين اجتماعيين عليهم واجب تعهدهم بالعقيدة القومية الاجتماعية حسب نص القسم. فعملنا بينهم يجب أن يتوخى ايقاظ وجدانهم القومي عن طريق ابائهم وعن طريق نشر أدب نهضتنا وثقافتنا بينهم وهنالك حجة قوية في جانب نظرتنا صعب دحضها: ان الولد من أبويين سوريين هو نتاج سوري فينشأ بعناية والديه السوريين ورعايتهما ويحيا بنتاج
…..
يتبع
صدر عن مكتب الزعيم، في 4 اغسطس 1946 ولتحي سورية
خاتم وامضاء الزعيم
|