كررت الصحافة القومية الاجتماعية التنبيه إلى الاتجاه الذي تتجه فيه مؤسسة الجامعة العربية؛ ابتدأ خفياً وأخذ يبرز مؤخراً علانية، ونعني به الاتجاه نحو أن تكون هيأة تنفيذية مركزية تعقد العقود وتقطع العهود، باسم جميع الأمم والدول المشتركة فيها. فتصبح السيادة الحقيقية في مؤسسة الجامعة العربية منتقلة من الأمم ودولها المستقلة إلى المؤسسة المذكورة. فقد ذكرت بعض الصحف البيروتية وغيرها أن محادثات تدور بين ممثلي بعض الدول المنضمة في الجامعة لجعل التعاقد مع الخارج من صلاحية مؤسسة الجامعة العربية باسم الدول المشتركة فيها. ويقال أن مشروع زيارة رئيس الوزارة اللبنانية ورئيس الوزارة الشامية لبغداد والعربية لها علاقة ببحث مشروع مركزية الجامعة العربية.
في عدد سابق علقت هذه الجريدة على مشروع الدولة الشامية القائل بإلزام كل دولة تنتمي إلى مؤسسة الجامعة العربية الامتناع عن التعاقد الحر مع أية دولة من خارج العالم العربي وعرض كل رغبة منها في تعاقد من هذا النوع على مجلس الجامعة العربية لأخذ الموافقة. وقلنا إن اتخاذ قرار بقبول مشروع الحكومة الشامية يعني إبطال السيادة القومية للأمم وإلزام دول العالم العربي القبول بأحكام تتخذ تحت تأثير مركز مؤسسة الجامعة العربية (مصر) وفي اتجاه قد لا يكون في ظروف المؤسسة وطريقة عملها المعبر الصحيح عن إرادة الجامعة.
إن جعل مركز مؤسسة الجامعة العربية الدائم، مصر ، يجعل جو السياسة المصرية يؤثر ويسيطر على أعمال المؤسسة وتوجيهها، خصوصاً وأن الصحافة المصرية ومجالس السياسة المصرية هي التي تقود كل بحث وتعالج كل موضوع وفيها تسمع الوفود واللجان الآراء وهي في غالبيتها إن لم تكن بكليتها مصرية.
نحن نعتقد أنه لا بد من اللجوء إلى نظام جديد في ما يختص بكيفية عمل مؤسسة الجامعة العربية. فيجب أن يتبدل ناموسها العام كل سنة، ويجب أن يتغير مركزها كل سنة. فتقيم سنة في لبنان وسنة في الشام وسنة في العراق وسنة في مصر.
ولا يحتاج الأمر إلى كبير عناء. ففي بيروت دور رسمية كبرى فارغة، خصوصاً تلك التي كانت ثكنات ضباط احتلال وموقعها بديع وبناؤها صالح وفي دمشق وبغداد أيضاً دور صالحة. وإقليم سورية الطبيعية كله أصلح من إقليم مصر للإقامة والعمل.
إن دلائل كثيرة تشير إلى أن هنالك رغبة ملحة من بعض نواحي الجامعة العربية في استعجال الأمور لوضع الأمة السورية أمام أمر مفعول وحصر دويلاتها في نطاق يُلزِمها البقاء في حالة شلل وضياع حق السيادة.
إننا نحذر الدول السورية كلها من الانجراف في تيار المركزية العربية المصري، ونطلب من المسئولين التريث في تحقيق ما لا حاجة شديدة إلى السرعة في تحقيقه لئلا يخرج مبتسراً.
نحن نعلم أن العالم مقبل على حرب عالمية عظيمة ونعلم أن مصالح أجنبية معينة ترغب أن ترى جامعة عربية تتخذ موقفاً واحداً في القتال المقبل. ولكننا نعلم أ، مؤسسة الجامعة العربية أنشئت لتسهيل نمو العالم العربي، وللتعاون على ما فيه مصلحة هذه الأمم، وليس لتقرير إجماعي لمصلحة حربية معينة.
يجب أن تبقى لكل أمة من أمم العالم العربي حرية العمل وحق التعاقد، وتقرير المصير، وألا فإن مؤسسة الجامعة العربية تكون قد صارت واسطة لعكس الغاية التي أنشئت لأجلها.
عن "الجيل الجديد" العدد 5 تاريخ 9 نيسان 1948.
|