رفيقي العزيز هشام
لا داعي للافاضة في أسباب تأخري في الكتابة إليك فإنك قد خبرت بنفسك، وأنت تعمل في المكتب، بعض هذه الأسباب التي ازدادت كثيراً بعد سفرك بما أثاره المطرودون فايز صايغ وغسان تويني ومن معهما من مسائل اقتضت إيضاحاً، وباستمراري في درس حالة الحزب الداخلية ومعالجة القضايا المتنوعة ومتطلبات القضية القومية الاجتماعية الملحة، الضاغطة، بينما الأدمغة والأيدي العاملة قليلة. والنقص يورث مشاكل لا عداد لها.
آخر كتاب ورد منك هو المؤرخ في العاشر من فبراير الماضي. وقد كلفت عمدة الإذاعة وإدارة النشر الرسمية و"النظام الجديد" والرفيق فؤاد نجار أن يمدوك بالنشرات والمعتقد أنه، بالرغم من الفوضى التي لا تزال تسيطر في بعض أقسام الإدارة الهامة، لا بد من أن تكون قد تسلمت بعض المطبوعات القومية الاجتماعية التي تحتاج إليها. إن النقطتين اللتين رأيت، في كتابك المذكور، جعلهما مدار العمل في أميركانية:
1 – الطلبة السوريين في الجامعات الأميركانية.
2 – الاتصال بالمواطنين الذين يكتبون ويخطبون متناولين مسائل سورية، هما نقطتان جوهريتان. ولكن لا أرى وجوب اهمال الدعاوة بين السوريين المغتربين وحثهم على اعتناق التعاليم والانضمام إلى الحركة.
وبما أن الرفيق أبي رجيلي قد قرر العودة إلى النشاط الحزبي فأعتقد أنه يمكن الاتفاق معه وغيره على جدول أعمال دعاوة مثمرة. إن بين المغتربين، خصوصاً أبناء الشوير الموجود منهم جماعة في ميسيسبي وغيرها ويرغبون في مساعدة الحركة مادياً إذا لم تكن لهم الرغبة في الانضمام بكليتهم إليها والمساعدات المالية المنتظمة هي أهم ما نفتقر إليه الآن.
الأستاذ منير سعاده، لي سابق معرفة شخصية به ويمكنه أن يكون مفيداً وتزداد فائدته إذا اعتنق المبادىء القومية الاجتماعية بكاملها بلا تعديل ولا تحفظ. ولست أدري ما يعني "بالاعتبارات الشخصية البحث والهامة جداً" والتي تمنعه او منعته من ان يكون عاملاً في الحزب. إذاعته التي أرسلتها مع كتابك المشار إليه قريبة من موقف الحزب ونظرته ولكنها ليست منطبقة عليها كل الانطباق، خصوصاً في تأويل الحديث التاريخي وتقدير النتائج وقيمتها. وهو يحتاج إلى توجيه وإصلاح ليصير قادراً على التعبير عن المسألة من وجهة النظر السورية القومية الاجتماعية.
سأكرر على دوائر النشر وجوب إمدادك بالمنشورات الحزبية لتتصرف بتوزيعها كما ترى موافقاً. أطلعت على كتابك الأخير إلى الرفيق فؤاد نجار، المؤرخ في 26 مايو الماضي والمكتوب باللغة الإنجليزية وعرفت أنك ستنتقل، بعد انتهاء إعداد (م. ع) في الفلسفة إلى لجنة الثقافة. أحب أن أقف على ما كانت دراستك الفلسفية الأخيرة وعلى الخطط التي ترسمها لدرسك مع لجنة الثقافة.
إنك تتألم لرؤيتك الجزء الجنوبي من وطننا يصير إلى الانسلاخ عنا أمام أعينك، بكل فهم وعيك القومي، إن مصيبة القوميين الاجتماعيين الكبرى هي أنهم يسيرون بوعيهم وسط الفوضى والخراب الممعنة إمداد الرجعة الأثيمة وأساليبها. إني رأيت كارثة فلسطين من زمان، آتية. وقد أعلنت وقوعها إلى القوميين الاجتماعيين والأمة السورية في 2 نوفمبر 1947. وعندما كنت أسمع بالراديو نتيجة جلسة جمعية منظمة الأمم المتحدة التي أقر فيها التقسيم، كنت كأني أسمع حادثاً مضى ـ رواية تمثل للمرة الثانية، لا الأولى، أما نظري – مع ذلك فإنه يصعب كثيراً تصور وقع الأمر في نفسي ساعتئذ. كل ما يجري الآن هو ماض يعاد تمثيله أمامي. وإن أشد ألمي هو ان لا أكون في حالة تمكني من انقاذ القضية التي كان ولا يزال ممكناً انقاذها. ولكن الرجعة لا تفقه إلا لغتها ولا تريد أن تعرف غير أساليبها. والشعب لا تزال أكثريته تحت وطأة النفسية الرجعية. فليس أمامنا إلا أن نتألم ونستمر في عملنا وإعداد الحركة السورية القومية الاجتماعية لمهمة تغيير المصيرواتجاه التاريخ ففي نجاحنا كل خسارة تعوض. إن القضية القومية الاجتماعية هي الأساس وكل القضايا الأخرى هي فروع وأجزاء.
لست أدري طول المدة المزمع أن تقضيها في بلاد الفخفخة السياسية والميعان الفردي.
آمل أن لا تطول كثيراً وأن أراك قريباُ في الوطن تعمل وتجالد معنا.
اقبل سلامي القومي وتمنياتي، لك التوفيق والنجاح. ولتحيا سورية.
توقيع الزعيم
في 22 يونيو 1948
|