من دائرة النشر
من بضعة أيام ألقى بن غوريون ، رئيس وزراء دولة اسرائيل،خطابا في حفلة أقيمت لخريجي مدرسة الضباط العسكرية اليهودية مليئا بالتبجح والتحدي للأمة السورية. والقسم الأول من الخطاب ليس سوى تقليد بائخ لخطاب الزعيم الرسمي في أول حزيران 1935، فكما أعلن سعادة في خطابه المذكور " اننا حررنا أنفسنا في الحزب السوري القومي الاجتماعي من السيادة الأجنبية والعوامل الخارجية ، ولكن بقي علينا أن ننقذ أمتنا بأسرها وأن نحرر وطننا بكامله " ( أنظر ج 2 ص 5 من الأعمال الكاملة ) كذلك أعلن بن غوريون " لما نصل الى غايتنا...فنحن لم نحرر حتى الآن غير قسم واحد من بلادنا تحريرا كاملا ، أما الأقسام الباقية فسيكون مصيرها مصير القسم الذي تسيطر عليه قواتنا "! وينتهي بن غوريون في خطابه الى القول ان اليهود تفوقوا على القوات السورية " بالقوة والخلق والعقل " ويستطرد " سنجعل الحرب حرفة يهودية الى أن يتم تحرير بلادنا بأجمعها وسنقاتل ما لاح انا خطر يحول دون تحرير تلك البلاد ، بلاد الآباء والأجداد الممتدة من الفرات الى النيل ".
انّ الوقاحة صفة واضحة في كل التاريخ والقصص والخرافات اليهودية ، وكذلك الاحتيال والسرقة. فاليهود سرقوا حكاية الطوفان وفكرة الله الذي زعموا باطلا أنهم هم مبتكروها وانتحلوا جميع القصص السورية الهامة في التوراة فمسخوها ونسبوها اليهم ، والآن يريدون أن يسرقوا أرضنا ويزعموا أنها أرضهم!
وواضح أنّ في تصريحات بن غوريون الوقحة تحديا للأمة السورية كلها ومن غير سعادة يقدر أن يعطي جواب الأمة السورية على تحدي الدولة اليهودية. وقد أعطى الزعيم هذا الجواب في خطابه في أول أمس في حفلة منفذية السيدات القوميات الاجتماعيات في برج البراجنة فكان جوابا عظيما صريحا .
(الجيل الجديد، بيروت ، العدد44، 31/5/1949).
أيها القوميون الاجتماعيون !
ذكرني وذكركم الرفيق حايك ، في كلمته عن كيفية انتمائه الى الحزب القومي الاجتماعي ،
أمرا لم أكن أنساه وأعتقد أنكم أنتم أيضا لم تنسوه ولن تنسوه ، هذا الأمر هو ما أعلنته
في رسالة 2 تشرين الثاني 1947 ، اذ قلت " انّ مقررات منظمة الأمم المتحدة لا يمكن ان تقرر مصير الأمة السورية، وانها في كل ما يعني مصير الأمة السورية باطلة لا تحمل الا الظلم والعدوان على الأمة السورية وحقها في الحياة ".( أنظر الجزء السابع ص 366 ).
منذ ذلك اليوم والتاريخ يدور . وفي دوران التاريخ مرت أحداث غيرت أوضاعا كثيرة على هذا المسطح الذي يعرف بسورية الطبيعية. فقد نشأت في الجنوب الغربي دولة جديدة هي الدولة اليهودية ، ومع أن الدولة الجديدة قائمة بالفعل ومع أني كنت أول من أعلن وجوب أخذ وجود تلك الدولة بعين الاعتبار، فان تصريحي في 2 تشرين الثاني 1947 لا يزال قائما لأنه تصريح يربط ارادة أمة حية بأسرها.
اننا قد اعلنا بطلان تلك المقررات ليس فقط من الوجهة الحقوقية الأنترنسيونية ،القانونية بل من وجهة مبدأ القوة التي تؤمن حق أمة في الحياة.
تقوم اليوم في الجنوب دولة جديدة غريبة كنت اترقب قيامها واعلنت انها ستقوم قبل أن تعلن هي عن نفسها، لأني كنت أرى التخاذل السوري سيوجدها حتما. ولكني كما اعلنت قيام تلك الدولة أعلن اليوم محق تلك الدولة عينها.
أني أعلن محق تلك الدولة الغريبة ليس بقفزة خيالية وهمية ، بل بما يعده الحزب السوري القومي الاجتماعي من بناء عقدي وحربي يجعل من سورية قوة حربية عظيمة تعرف ان انتصار المصالح في صراع الحياة يقرر بالقوة بعد أن يقرر بالحق.
وهذه الدولة الجديدة نشأت في الجنوب بفضل تفسخ مجتمعنا النفسي، وبفضل المنازعة بين حكوماتنا السورية وانقسامنا بعضنا على بعض ، بفضل هذه الأمور أكثر كثيرا مما هو بفضل المهارة اليهودية الزائفة التي يقف أحد ابطالها اليوم يدعي انها هي . ونحن نعرف ما هي وما هو هزالها ، التي انشأت الدولة اليهودية.
ان الدولة اليهودية لم تنشأ بفضل المهارة اليهودية ولا بشيء من الخلق والعقل اليهوديين ، اذ لا توجد لليهود قوة خلاقة . بل بفضل التفسخ الروحي الذي اجتاح الأمة السورية ومزق قواها وبعثر حماسها وضرب بعضها ببعض وأوجدها في حالة عجز تجاه الأخطار والمطامع الأجنبية .
تلك الدولة الجديدة تقف اليوم متحدية ، يعلن أحد أقطابها انها تستعد حربيا لتملك بقية أرض يحددها ما بين الفرات والنيل . نحن في الحزب القومي الاجتماعي كنا نعلم مدى مطامع الخيالات اليهودية الوقحة . وقد حذرنا من هذه الخيالات العناصر والفئات التي تملك في سياسة الوطن أكثر مما نملك نحن ، هذا الحزب الجديد الناشىء الفتي . أخبرنا تلك الفئات ، ونحن موقنون بأنهم لم يأخذوا تحذيرنا بما يستحق من الاعتبار . لكننا حذرنا كي لا يقال اننا لم نحذر ولم ننبه . ان تلك الفئات لم تكن مؤهلة لقيادة شيء من المصير القومي . انها لم تكن تمثل ارادة قومية . انها لا تمثل اليوم ارادة قومية . لا تمثل الا خصوصياتها الحقيرة التي لم ينتصر اليهود في شبر من الأراضي السورية الا بفضلها هي .
ان اليهود قد انتصروا في الجنوب على يهودنا نحن، ولم ينتصروا على حقيقة الأمة السورية .ولن ينتصروا على حقيقة الأمة السورية.(تصفيق وهتاف شديدان).
ان محق الدولة الجديدة المصطنعة هي عملية نعرف جيدا مداها . انها عملية صراع طويل شاق عنيف يتطلب كل ذرة من ذرات قوانا ، لأنه وراء تلك الدولة اليهودية الجديدة مطامع دول أجنبية كبيرة تعمل وتساعد وتبذل المال وتمد الدولة الجديدة بالأساطيل والأسلحة لتثبيت وجودها.
فالأمر ليس فقط مع تلك الدولة الجديدة المصطنعة . انه مع الدولة الجديدة ومع دول عظمى وراء الدولة الجديدة ! انه صراع طويل وشاق . ونحن نعرف جيدا انه كذلك ونسير بهذه المعرفة واثقين مطمئنين وهذا الاطمئنان نفسه يعني ان النصر الأخير شيء أكيد لا مفرلنا منه . عندما بدأت معارك العقلية القديمة ضد قيام الدولة اليهودية في الجنوب أرسلت منفذية الحزب القومي الاجتماعي في حيفا الى المركز تطلب جوابا يعين موقف الحزب من الاتجاه الحربي القائم فكان جواب المركز أن الحزب السوري القومي الاجتماعي لا يثق بالقيادات التي تسير القوات السورية الى الحرب ولا يثق بالقضايا التي تسير فيها تلك القوات والحزب يعرف أن الصفوف الأمامية التي تسيرها تلك القيادات العاجزة والقضايا المائتة ستنهار لأنها صفوف غير مؤسسة في حقيقة قضية صحيحة .
ان حقيقة قضية فلسطين هي في عقيدة أمة حية وارادة قومية فاعلة تريد الانتصار !.
اننا كنا نعلم علم اليقين ان الصفوف الأمامية المقسمة ، غير الجديرة بالانتصار ، السائرة الى المجابهة بلا قضية واحدة ولا ايمان واحد ستنكسر وتنخذل في المعركة ، ولذلك كان جوابنا لمنفذية حيفا اننا سنستمر في مهمتنا الرئيسية تجاه هذا الخطر وهي : بناء الصفوف الخلفية التالية التي ستتقدم الى مجابهة العدو بنظامها المتين وعقيدتها القومية الاجتماعية الصحيحة النظامية ، بعد أن تسقط الأمامية.
والنهضة القومية الاجتماعية تتقدم اليوم في صفوف جديرة بالانتصار ، لأن في صفوفنا ارادة أمة حية لا أمم في طوائف ودول ، في حكومات قزمية غير جديرة بالاضطلاع بمسؤولية تقرير المصير القومي.
نحن مستمرون اليوم في خطتنا .
ان الدولة اليهودية تخرج اليوم ضباطا عسكريين وان الدولة السورية القومية الاجتماعية التي أعلنتها سنة 1935 تخرج هي بدورها ضباطا عسكريين ! ومتى ابتدأت جيوش تلك الدولة الجديدة الغريبة تتحرك بغية تحقيق مطامعها الاثيمة والاستيلاء على بقية أرض الآباء والاجداد، ابتدأت جيوشنا تتحرك لتطهير أرض الآباء والأجداد وميراث الأبناء والأحفاد من نجاسة تلك الدولة الغريبة !
هذا ليس آخر جواب نعطيه لليهود ، لأن الجواب الأخير سيكون في ساحة الحرب متى قررت القيادة القومية اعلان الحرب !.
في الحفلة الاجتماعية في برج البراجنة ( الخطاب الذي القاه الزعيم في حفلة منفذية السيدات في برج البراجنة " لبنان " في أول حزيران 1949 أي قبل حادث الجميزة بعشرة أيام وقبل استشهاده بثمانية وثلاثين يوما )
الجيل الجديد ، بيروت ، العدد 44 ، 31/5/1949.
|