ايهاالرفيق العزيز،
تسلمت كتابك الأخير المؤرخ في 21-3-47, في أوائل يونيو الحاضر، وقد وجدت من الفحص الذي أجريته انه وصل الى بيروت في 8 ابريل وبقي مدة هناك ثم حول الى الشوير فوصل في 2 يونيو ونظراً لغيابي لم أتسلمه إلا في 9 يونيو.
في اليوم التالي لتسلمي الكتاب قدم لزيارتي الرفيق أسد الأشقر فأطلعته على التحويل الذي ضمن الكتاب، فقال – "نعم يوجد مال مودوع معي لحين قدوم رفيق. الآن لا يوجد معي مال ولأني مديون بنحو ستين أو سبعين ألف ليرة سورية ولكن يمكن أن أدبر هذا المبلغ بعد نحو شهر" قلت له أن هذه المدة طويلة لأن الموقف حرج واحتاج الى المال بسرعة فقال – "سأرى ما يمكن فعله". هو الآن يفكر في سفرة الى لواء الجزيرة لدرس امكانيات مشروع زراعي يتفق فيه مع أمين الأشقر وشخص آخر.
سررت كثيراً بالروحية القومية الاجتماعية الممتازة التي تتجلى في رفقائنا في شاطىء الذهب وبالأعمال الطيبة التي قامت بها المنفذية هناك وان الدفعة التي أرسلتها 1750 استرلينية وصلت لتفرج ازمة مالية خانقة. فالخزينة كانت مديونة بنحو سبعة آلاف سورية، قبض مالي بسند، وبنحو خمسة آلاف سورية أجور وتعويضات متأخرة. فدفعت هذه في الحال وبقي في الخزينة شيء قليل أنفق في أمور مستعجلة وعادت الخزانة نظيفة. بعد وصولي الى الوطن نشبت معركة شديدة بين الحزب السوري القومي الاجتماعي من جهة، وفئات الرجعة المستمرين في الطائفية وخدمة موضوع الاستعمار الفرنسي والحكومة اللبنانية من الجهة الثانية. وللحال رسمت خطة حملة معاكسة على "الفلانج" بوق المصلحة الفرنسية في لبنان وعلى الحكومة اللبنانية وأخرجت الحزب من خطة الدفاع التي كان يتبعها الى خطة الهجوم التي هي من طبيعة عقيدته وحركته وقد تكللت هذه الحملة بالنجاح التام فأتى رئيس "الفلانج" بنفسه، في شكل اقتراح، توقيف حملة "النهضة" على "الفلانج" واعدين بتوقيف حملة "العمل" وغيرها على الحزب والزعيم. والحكومة بعد اصدارها مذكرتها القبيحة وقعت في حيص بيص تجاه صلابة الزعيم وتراص القوميين الاجتماعيين حوله.
ومتى قلت تراص القوميين الاجتماعيين عنيت صفوف الحزب الشعبية. أما إدارة الحزب العليا فكانت في شلل وهبوط وانحراف وظهرت فيها حركة مقاومة للزعيم في داخل الحزب فوقفت وحيداً بلا أعوان إلا المخلصين البعيدين عن صلب العمل ونحو أثنين من العاملين فعلاً، بين حربين حرب في الخارج وحرب في الداخل. أما الحرب الداخلية فقد حمل لواءها نعمة ثابت، الذي مال كثيراً في المدة الأخيرة الى مسايرة الاوضاع وجعل العمل الحزبي في لبنان قائماً على نظرة لبنانية ظهرت في كتابه "الواقع اللبناني". ووقف مع نعمة مأمون أياس وأسد الأشقر، الذي كان في مصر حين حصول الضجة وأرسل من هناك كتاباً الى الأمين جورج عبد المسيح حاول فيه اظهار الزعيم بمظهر العاجز عن ادراك ضرورات الموقف والجاهل لعقلية "اللبنانيين" وكيفية معالجتها وغير ذلك من السفسطة الكلامية التي اتخذها أسد أساس تفكيره وعمله طول مدة غياب الزعيم وبها أنشأ مقالات كتابه "من صميم لبنان" التي خلت من كل صفة سورية وكانت دعاوة لبنانية شبيهة بدعاوة "الفلانجيين" والمتفرنسين.
وشارك هؤلاء في الموقف "اللبناني"، وإن بنوع آخر، الدكتور كريم عزقول. وجميعهم عملوا بقبول "تفاهم" مع الفلانجيين وعدد من السياسيين المتلبننين. وكانوا قد أخذوا يبثون فكرة جعل الحزب "ديمكراتي" وفاجأني أسد الأشقر في مصر بعرض فكرة "تعديل الدستور". فلما سألته عن السبب الداعي قال لوجود أشخاص خارج الحركة يوجهون انتقادات لحصر السلطات العليا في الزعيم. ثم قال هي فكرة عرضت له فرأى ابداءها للزعيم. ولكن هذه "الفكرة" لم تكن مجرد رأي شخصي نزيه بل نتيجة عوامل شخصية اشترك فيها جميع المذكورين ويجب أن يكونوا تباحثوا فيها من قبل. وبعد حصول الضجة بعد وصولي وأنا في ابان المعركة ماذا كان موقف هؤلاء "المركزيين" بلا داع للدهشة لم يكن موقفهم الالتفاف حول الزعيم ولا الاشتراك في الحملة القومية الاجتماعية على الأعداء. فلم يكن يكتب واحد منهم مقالة واحدة ولا خطب خطاباً واحداً في هذا الموضوع، بل كان موقفهم تبني نظرة الأعداء والحملة على الزعيم في الداخل والخارج، حملة مستورة، والسعي سراً في شبه مؤامرة صريحة لإقناع أعضاء المجلس الأعلى الذين عين الأصليين الزعيم وعين المجلس نفسه بقيتهم في أثناء غيابي، وأعضاء مجلس العمد بوجوب تعديل الدستور وتقييد الزعيم تجاه المجلس الأعلى وجعله مسؤولاً تجاهه. وحاولوا الاقناع بعرض افتراضات وقضايا نظرية من غير أن يأتوا بمثل واحد من عمل الزعيم وترابط الحزب. هذا كان اهتمامهم الأول اليومي وأنا وسط المعركة العنيفة، قابلت هذه المحاولة بحلم كثير وصبر ثم رأيت وجوب وضع حد نهائي لها فدعوت المجلس الأعلى الى جلسة مستعجلة عقدت في 3 مايو الماضي وشرحت الموقف من يوم وصولي الى تلك الساعة وأظهرت ارتفاع قضية الحزب بعد عودة الزعيم وانتعاش حيويته واكتساب تحبيذ أوساط واسعة جديدة كانت واقفة منه موقفاً عدائياً، ثم عرضت للمساعي التي يبذلها الأمين نعمة ثابت والرفيق الدكتور كريم عزقول لتعديل الدستور والحد من صلاحيات الزعيم فأعترف الأمين ثابت ولكنه قال انه اقتصر في محادثاته على قليلين من أعضاء المجلسين. فسألت المجلس هل يرى من داع لفتح موضوع تعديل الدستور وبحثه فكان الجواب بالاجماع – عدم رؤية أية حاجة الى ذلك واستعداد الجميع للوقوف مع الزعيم بايمان مطلق. لم يحضر هذه الجلسة الأمين مأمون أياس الذي أرسل يعتذر لاهتمامه بتهيئة مواد اول عدد من جريدة "الولاء" المستخدم محرراً فيها. وفي ختام هذه الجلسة أعلنت حل المجلس الأعلى وحل المكتب السياسي الذي كان يرأسه الأمين ثابت واني سأنظر في تأليف مجلس أعلى جديد على ضوء الاختبارات الجديدة. وكان أسد الأشقر، الذي كان عين أيضاً عضواً في المجلس الأعلى، لا يزال في مصر وقدم بعد بضعة أيام من حل المجلس وكان من وراء هذه التدابير ايقاف هذه الحركات المخالفة للدستور والمهدمة للنظام وروحه وتدارك الرفيق العميد فايز صايغ الذي لم يكن منتبهاً لخطر هذه اااعبة وكاد ينزلق في بعض مزالقها. والدكتور كريم عزقول تراجع عن السعي اللانظامي وأظهر قابلية للاصلاح. وبقي نعمة ثابت في تهوره الشخصي ومأمون أياس وأسد الأشقر.
وهذا الأخير في تراوح وحتى الآن لما ينجل موقفه الأخير. واني أحمد الله على حصول التزوير وسقوط مرشحي الحزب في محافظة جبل لبنان والجنوب فلو نجحوا لكان بعضهم خلق لنا مشاكل جديدة نحن في غنى عنها. وقد طرد حافظ منذر لتمرده على أوامر الحزب ومحاولته استغلال قوة الحزب الذي رشحه لأنانيته ونفعيته وقد ظهر منه في الموقف المذكور تصرف دنيء مخجل.
الحالة الآن، من الوجهة الداخلية، تحسنت كثيراً فقد تطهرت إدارة الحزب من الأخلاط اللاقومية والانحرافية التي كانت تعرقل حركته وسير رسالته ودعوته وعادت الحيوية الى اوساط كثيرة كانت مستاءة من الحالة السابقة وشعرت الفروع خارج لبنان ان الحزب عاد الى النهج القومي الاجتماعي الصحيح وان الانصراف الى المحلية اللبنانية قد انتهى وان وحدة العقيدة عادت تجمع بينها. وكسبنا في لبنان والشام عطفاً من صحافة كانت سابقاً جامدة تجاهنا أو معادية لنا.
اما من الوجهة العامة فالحكومة، او رجال الاحتكار الحكومي، قد بدأوا، بعد انتهائهم من عملية ضمان عودتهم الى الحكم يهتمون بمسألة الحزب الذي يخافونه ويقض مضجعهم خيال زعيمه. فالاصطدام بيننا وبينهم لا بد واقع ولولا فقر الحزب المادي وضعف عدته لكان الحزب يسيطر الآن سيطرة مطلقة في لبنان. ضعفنا لا يزال هو هو – قلة المادة والوسائل.
أكتفي الآن بهذا المقدار، فإذا رأيت أن تلح على أسد الأشقر بدفع المبلغ الذي عينته فافعل. يوجد قضية أخرى – عرضت علي شقيقة الرفيق الطيب الأثر الدكتور فؤاد الراسي، أن شقيقها كان يحمل حين عودته منديلاً فيه صرتان من قطع الماس التي بعضها له والبعض الآخر لشقيق زوجة أسد الأشقر وأنه أوصاها بحفظهما لعظم قيمتهما وأخبرها أن له عشرين بالمئة من حصة شقيق زوجة أسد الأشقر لقاء حملها الى الوطن. فعلى أثر وفاة شقيقها جاءها أسد وهي في الفراش متألمة حزينة وطلب أن يرى منديل الماس لأن ابن حميه أرسل يخبره بحصته فأظهرت له المنديل فأخرج صرة صغيرة منه وقال لها "هذه حصتكم" وأخذ المنديل. وتقول السيدة انها اكتشفت بعد ذلك من عدد الماسات أن الحصة ناقصة ولا تتفق مع اللائحة التي كان يحملها الفقيد فراجعت أسد وبعد أخذ ورد أظهر لها الغضب والعداوة. وكانت قد قدمت شكوى رسمية على أسد الى الحزب ووقفت القضية عند حد. إذا أمكنك أن تتقصى شيئاً، بحكمة وروية، عن هذه القضية فأفعل ووافني بالجواب. اما بواسطة شقيقك واما على العنوان التالي.
صدر عن مكتب الزعيم في 22 يونيو 1947
|