إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

امتطاء العموميات الى الخصوصيات

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1943-10-01

إقرأ ايضاً


ان درس الحزب السوري القومي الاجتماعي ومبادئه وفلسفته وغايته وحركته وأعماله شيء، ودرس الأشخاص الذين يتفق ان ينضموا الى صفوفه ونفسياتهم وغاياتهم وأهدافهم شيء آخر.


هذه حقيقة أولية ولكن كم هم الذين لا يفرقون بين الحزب السوري القومي الاجتماعي والأشخاص الذين ينضمون اليه ثم يسمع عنهم انهم طردوا أو "انسحبوا" أو انقلبوا؟!


في سلسلة هذه الدروس التي نسوقها نتوخى شيئاً واحداً: فهم الحالات والقضايا النفسية والاجتماعية والمناقبية التي تعرض في مجرى نمو الحركة القومية الاجتماعية.


منذ مدة غير بعيدة اهتم الكاتب القومي الاجتماعي الكبير، الرفيق جبران مسوح، بأديب سوري له به علاقة مودة. وليس الأديب أول أديب سوري اهتم به جبران مسوح. ولكن حماس جبران مسوح ليس من تلك الفورات الاعتباطية الوقتية فهو لا يكل ولا يمل. فأقام يراسل الأديب المذكور مدة ويشرح له عن الحركة القومية الاجتماعية وزعيمه حتى حمله على الكتابة الى الزعيم لايجاد صلة مباشرة معه. فوردت الزعيم رسالة وكتب مؤلفة ومترجمة للأديب المشار اليه.


أجاب الزعيم على رسالة الأديب وتناول مقدمة أحد كتبه التي فيها شرح رغائب المؤلف وحركاته الاجتماعية وأبدى تقديره للنزعة الوطنية التي تصورها تلك المقدمة وألقى أسئلة عن المؤسسة العالمية التي انتمى اليها الأديب "حباً بخدمة وطنه". بقيت الأسئلة المذكورة بلا جواب ولكن المراسلة تناولت موضوع النهضة السورية القومية الاجتماعية وانتهت باعتناق الأديب الملمح إليه مبادئها وانخراطه في الحزب السوري القومي.


وكان أحد القوميين الاجتماعيين يعمل في البيئة عينها وتمكن من قبول انضمامات عديدة أوجبت النظر في تنظيم الرفقاء الجدد. وكان بين المنضمين أديب آخر سيأتي ذكره فيما بعد. ورجل صاحب اذاعة راديو. واقترح الرفيق العامل تشكيل هيئة ادارية يرئسها الأديب الأول ويكون من أعضائها الأديب الثاني وصاحب الاذاعة الأثيرية. فقبل الزعيم الاقتراح وعيّن الأديب الأول رئيساً والأديب الثاني ناموساً وصاحب الاذاعة خازناً. ولم يخل هذا التعيين من اعتراض تواضعي من قبل الأديب الأول الذي أبدى للزعيم كثرة اشغاله الأدبية والاجتماعية وضرورة قراءته عشرات الكتب في الشهر الواحد وشدة حاجته للانتاج الأدبي. ومن جملة معلوماته انه عضو ضروري في عدة أندية وجمعيات ومؤسسات. فهو ناموس في نادي كذا، وعضو عامل في جمعية كذا، وعضو مؤسس في عدة محافل ماسونية وله علاقة ببعض المؤسسات الثقافية. وجميع هذه المراكز تتطلب منه مجهوداً كبيراً.


أجابه الزعيم انه ينتظر منه أن يفهم أن القضية القومية قضية كلية، بينما مسائل الجمعيات والأندية هي مسائل جزئية، وان الأديب الحي يجب أن يحول قلبه وعقله لخدمة قوميته وجنسه أولاً. اما ما يتعلق بشغفه بالمطالعة والكتابة فقد اثنى عليه الزعيم وأشار عليه بالاهتمام بخدمة الحركة السورية القومية الاجتماعية عن هذا الطريق فيترجم مبادئها وبعض منشوراتها الهامة ويكتب عنها ليعرف الأقطار الأميركية حقيقتها.


وبينما الزعيم يتوقع حصول التأثير الجيد المرغوب فيه من توجيهات في نفس الأديب المذكور، اذا برسالة تطل على الزعيم من الرفيق جبران مسوح من توكومان، يقول ان الأديب الذي هو موضوع هذا الكلام قد كتب اليه يعرض استعداده لتقدمة بضع مئات من نسخ آخر كتاب أصدره تبرعاً منه للحزب لبيعها ويقبض ثمنها ويحوله الى صندوقه. ويقول الرفيق مسوح انه ينتظر أن يحدد الزعيم كمية الكتب التي يجب أن يطلبها.


كان الزعيم يفضل لو أن الأديب المذكور كتب مقالة واحدة في العقيدة القومية الاجتماعية أو في الحركة على كل مئات النسخ التي يقدمها للادارة الحزبية لتكلف هذه الادارة عدداً من الرفقاء حمل نسخ وبيعها في أوساطهم. ولكن الأديب كان له تفضيل آخر، على ما يظهر، وهو: أن تنشر كتبه ويذيع اسمه قبل انتشار المبادىء القومية الاجتماعية واذاعة أهداف الحركة السورية القومية الاجتماعية وأعمالها!


بعد أن تسلم الأديب المتبرع بالكتب وظيفته الادارية بمدة يسيرة، ورأى حماس عدد من الرفقاء الجدد، كتب الى الزعيم يعتذر عن تمنعه في الماضي ويقول انه لا يعرف الكلل ولا التعب. ثم لما وجد الأعمال التنظيمية تقتضي سهراً ومشقة وبذل مجهود كبير أرسل على أثر كتابه الأخير كتاباً آخر يقول فيه أنه أخطأ وأنه لا يقدر أن يترك شيئاً من الوظائف الاجتماعية التي في يده وانه يحتاج للمواظبة في سبعة محافل ماسونية يجتمع كل محفل منها في وقت غير وقت غيره، لأنه عضو مؤسس فيها جميعها ولذلك يفضل الاستعفاء من الوظيفة وانه مع ذلك "يبقى جندياً مستعداً لكل خدمة"!


هذا كان آخر خدماته. أما الأديب الثاني الذي شغل وظيفة ناموس فكان قد أبدى اندفاعاً في سبيل القضية وكتب مقالة فيها روح ووعد بكتابة غيرها. ثم ساد السكون. وفي رسالة منه الى الزعيم قال انه توقف عن الكتابة، وليس الجريدة عن النشر، لأنه واقف على معلومات كثيرة عن سير الحركة! ولما طلب من هذا الأديب أن يكتب "للزوبعة" رسائل ومقالات أرسل مقالة عن عيد ميلاد المسيح أقل ما يقال فيها تمجيد للمسيح اعتيادي مبتذل. لم يكن ذلك غريباً. ولكن الغريب انه تمكن من كتابة مقالة عن المسيح بدون الاستناد الى معلومات جديدة أو قديمة عن سير الحركة المسيحية!


أما صاحب اذاعة الراديو فقد قدم بنفسه لمقابلة الزعيم وموافقته على أن الأديبين لم يقوما بما يجب عليهما نحو القضية. فلما أخذ عليه أحد الرفقاء، في حضرة الزعيم، اتصاله بعناصر الرجعة المعادية للنهضة القومية الاجتماعية قال انه يريد أن يوضح موقفه. وخلا صة ايضاحه انه يعتقد ان له شخصيتين الواحدة ضمن الحزب والثانية خارجه!


أنكر الزعيم صواب هذا المبدأ وأعلن عدم اعتراف الحزب بكل ما هو من باب الشخصيتين والوجهين واللسانين والحقيقتين. ولما سأل هذا "الرفيق" الزعيم عما يريد اتخاذه من الترتيبات الادارية للفئة القومية الاجتماعية التي أصبحت بلا ادارة، أجاب الزعيم أنه سينتظر ما يظهر من الرفقاء وأنه يرى أن مقدرة الأشخاص يمكن أن تظهر بدون وظائف فمتى عمل الرفقاء بدافع ذاتي أولاً اختار الزعيم من العاملين من ظهر أنه أكثر اقتداراً وأشد غيرة على القضية.


انصرف الرجل وقد وقعت بطيخة من يده. وهنا ظهرت حكمته. فهو قد تمكن، بمهارة خارقة العادة، من الاحتفاظ ببطيخة الرجعيين والنفعيين الذين لا يهمهم لا كثيراً ولا قليلاً أن يكون للمرء شخصية واحدة أو شخصيتان أو أكثر.


صار "عروبياً" صميماً" وصار يكتب في رسائله "تحية العروبة" وقال "سراً" لبعض معارفه من هذا النوع انه قدم "ليدرس الزعيم" وانه مكلف بهذا "الدرس" من نحو سبعين عضواً دخلوا الحزب السوري القومي الاجتماعي في منطقته وانهم ينتظرون وصوله ليعطيهم محصل درسه. وأخذ يستعمل لقب الزعيم في رسائله بتهكم واستهزاء كأن يقول: "قل لفلان ان المسألة كيت وكيت. واذا لم يصدق فقل له اني أحلف "بحياة الزعيم!".


كل الحق في خسارة هذه العناصر الهامة هي على الحزب السوري القومي الاجتماعي وعلى زعيمه بنوع خاص. وجهل الزعيم المسائل السياسية جعل الحزب يخسر واحداً أو واحداً وسبعين شخصاً لا يقبلون الزعيم الا من كان على مبدأ الشخصيتين والوجهين واللسانين والحقيقتين!


ان قضية النهضة السورية القومية الاجتماعية هي قضية نهوض بالأخلاق والمناقب قبل كل شيء. فالأخلاق الضعيفة والمثالب النفسية قلما قدرت على النهوض بأمة أو تغير حالة شعب سيئة.


ليس الحزب السوري القومي الاجتماعي مطية للرغائب الخصوصية او وسيلة لاكتساب الشهرة والمراكز العالية من أهون الطرق. كلا. انه حركة جهادية لا امتياز فيها الا بالعمل في سبيل القضية القومية المقدسة. فمن ظن الحزب القومي الاجتماعي غير ذلك فبعض الظن أثم.


اننا لا نفرح بنمو الحزب القومي الاجتماعي الا حين ينمو بالعناصر الكبيرة الهمة، القوية الروحية التي ترجو فلاح الأمة قبل فلاحها الخاص. هذه العناصر التي تبذل نفسها في سبيل العقيدة والقضية تجد من الأمة تقديراً وتخليداً.



"الزوبعة"، العدد 68، في تشرين الأول 1943.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024