إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

تنظيف مناطق الاحتِلال

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1943-07-15

إقرأ ايضاً


كل حرب، فكرية كانت ام دموية لها ميادئها وقواعدها الاستراتيجية والتحريكية. وكل جبهة لا يكون لها استراتيجية ولا استراتيجيون هي جبهة خاسرة، لا محالة.


هذه مسألة نظامية يجب أن يتعلمها القوميون الاجتماعيون وأن يفكروا في أسبابها ونتائجها، اذا كانوا يحسبون أنفسهم أهلاً لاعكاء البرهان على كفائتهم لاحراز النصر لحركتهم العظيمة.


الغفلة عن وجود هذه المبادىء والقواعد أوجبت تشويشاً فب أعمال بعض مناطق الامتداد السوري القومي الاجتماعي، حتى أن بعض رجال الادارة أهملوا تنفيذ المهمات والأمور والتعليمات المرساة اليهم ليتورطوا في احاديث وتعليقات خالية من المسؤولية، كما رأينا في الدروس الأخيرة الماضية التي أعطيت على صفحات الزوبعة. ونتيجة الغفلة المذكورة وذيولها كانت، في أقل تقدير، جمود التطور الفكري والروحي والعملي في مناطق صلاحيات المسؤولين المتورطين وخمود التوقد الروحي الذي اضرمته العقيدة في بعض النفوس، على الأقل. وهذ من الوجهة الداخلية فقط. أما من الوجهة الخارجية فقد كانت النتائج غير قليلة الأهمية: ان المفسدين الذين أصلتهم "الزوبعة" نار الحرب لم يجدوا جبهة منظمة في أماكنهم تصدمهم وتشل حركاتهم، بل وجدوا العكس – وجدوا الخمول والتراخي والتواكل والفوضى عينها تستولي على الصفوف القومية الاجتماعية والمجال لحركاتهم المفسدة واسعاً، اذ بينما كانت "الزوبعة" تهاجمهم وتحمل عليهم كان المسؤولون، في الأماكن التي يعيث فيها أولئك المفسدون، يتناقشون على هل عمل "الزوبعة" صواب وهل اهتمامها بمفاسد الأدباء والصحافيين المنافقين المشعودسن في محله!.


الاستخفاف بالعدو، داخلياً كان أم خارجياً، هو من أعظم الأغلاط التي أوردت قادة عظماء موارد الخيبة. ان من أعظم ما تفتخر به النهضة السورية القومية الاجتماعية: ان لها زعيماً لا يمكن اقناعه بان الاستخفاف بالأعداء واهمال امرهم سياسة حكيمة لن جميع صفات المفكر الفلسفي العميق والسياسي البعيد النظر شيم زعيم الحركة السورية القومية الاجتماعية ذلك القائد في البت والاجراء. ليس زعيم الحركة السورية القومية الاجتماعية ذلك القائد الأرعن الذي يتبع هواه وغروره ويترك النظر في دقائق الأمور ويتقدم الى الحرب الخارجية، تاركاً الأعداء الداخليين وراءه يعملون على تقويض الايمان بدسائسهم واشاعاتهم. كلا. ليس ذلك، زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي المعروف.


ان الزارع الذي يهمل حشرات صغيرة يمكن أن تتلف كرمه او أحراجه أو قمحه، لمجرد علمه أنه يمكنه أن يدوس كمية منها بنعله دفعة واحدة ليس بالزارع الذي يرجو أن يحصد ويخزن. وان القائد الذي، بعد أن يربح المعركة الأولى، يتوغل في البلاد غير حاسب حساباً لفلول الجيش المندحر وللعصابات الصغيرة المعادية التي تستطيع أن تؤلف جيشاً نظامياً قادراً على القيام بمعركة حاسمة، هو قائد سائر الى الانكسار المحتم. فإن من فوائد دروس الحروب العديدة التي امكن تسجيل حوادثها وتطوراتها انه يجب تنظيف الأرض الجديدة التي يحتلها الجيش المهاجم من فلول الأعداء ومن عصاباتهم قبل التقدم الى أراض جديدة. وان الذي كسر نابليون في معركة واترلو كان جيش بلوخر الألماني المدحور!


في الحرب العالمية الحاضرة نرى جيوشاً ضخمة تتوقف بعد زحف واسه وانتصارات أكيدة لتطهر الأرض التي تحتلها من فلول الجيش المندحر وبقاياه ولإنشاء استحكامات وحصون قبل التقدم الى مواقع جديدة. وقبل هذه الحرب بسنين وبعد السنة الثانية لنشوؤ الحزب السوري القومي الاجتماعي كان الزعيم يصدر تعليمات بإيقاف الادخال مدة من الزمن ليتم صهر العناصر التي دخلت في المدة السابقة وادعام نفسيتها بنفسية الحركة ولتنقية الصفوف من الخلل والتشويش والمهمة الأولى في كل منطقة دخات جديداً في دائرة حركة الحزب السوري القومي الاجتماعي كانت: سحق المقاومة. وقد نجحت هذه الخطة على طول الخط وبرهنت الحوادث انها الخطة العملية الوحيدة التي تضمن النجاح. فحيث أهمل أمر الأعداء والمفسدين وجرى استخفاف بالأضرار التي يمكنهم احداثها تعرضت الحركة اقومية الاجتماعية لصعوبات كثيرة.


واذا ألقينا نظرة استعراض على تقدم النهضة السورية القومية الاجتماعية المحسوس في النزالات السورية في أميركة، منذ قدوم الزعيم اليها الى الآن، وجدنا ان هذا التقدم كان ممكناً، من الوجهة العملية، بسحق الأعداء والضرب على أيدي المنافقين والدجالين الذين كان الناس منخدعين بشعوذاتهم ومصدقين اشاعاتهم الكاذبة. وان من المور التي رفعت معنويات الحركة السورية القومية الاجتماعية في المهجر عموماً وفي أميركانية خصوصاً: الحملة الساحقة التي قامت بها "الزوبعة" على حصن دجالي الأدب ومشعوذي الصحافة المعروف بالرابطة الثقافية في نيويورك فقد كانت الفئة التي تسمي نفسها "أعضاء الرابطة القلمية في نيويورك" تتمتع بمكانة عند المغتربين لم تعد تستحقها بعد أن طارت نفس جبران وحل الاستغلاليون محله. وكانت مكانتها الزائفة تسهل لها مقاومة الحركة السورية القومية الاجتماعية بإثارة الشكوك عليها والترجمات المغرضة لأعمالها ورجالها، تارة بالأحاديث الخصوصية في الاجتماعات العائلية والعمومية وطوراً بالمقالات الطافحة بالحسد والأنانية في الصحف حتى ان كثيراً من حسني النية الذين أحبوا الوقوف على حقيقة أمر الحزب السوري القومي الاجتماعي وكيفية مساعدته أخذوا يحجمون عن ذلك.


في مدة نحو ربع قرن او أكثر، من التبجح بالأدب اللفظي التافه والاقتباسات السطحية البراقة، صار أهل الأعمال اليومية يقولون: "قال أبي ماضي وقال عبد المسيح حداد وقال ... الخ". وصاروا يقولون هذا القول ويعتمدونه، حتى في المواضيع القومية الاجتماعية والاقتصادية وفي النظرات السياسية مما لا شأن لأولئك الأشخاص فيه. ولكن هو الصيت الذي جرى بين الناس من أجل قصيدة ذات صبغة جديدة أو من أجل مقالة بلغت حكمتها السخيفة حد القول انه لا قومية ولا وطنية ولا نهضة لنا وان أفضل ما نفعله هو أن نتشبه بالأجانب ونقلدهم وأن أفضل مصير نختاره هو أن نسلم أمورنا للأيدي الأجنبية ونقبل بحكمنا فينا!


كيف كان يمكن أن يتحول الناس في أميركانية نحو النهضة السورية القومية الاجتماعية وأصجاب الصحف السورية المنتمون الى الرابطة القلمية وغير المنتمين إليها من الذين باعوا أقلامهم للشيطان قاموا يزينون للناس أنه لا قومية لنا ولا غاية ولا أهداف وان كل ما هنالك امال تلمع هنا وهناك ثم تختفي هنا وهناك وان أنطون سعاده ليس سوى دجّال كجميع الدجّالين الذين نكبت بهم الأمة وخدعوها وعبثوا بشعورها وعواطفها وهضموا آمالها ثم أداروا لها ظهورهم أو باعوا مصالحها للأجانب، والناس لكثرة اختباراتهم المرة وتكرار انخداعهم باصحاب بضاعة "الوطنية" صاروا سريعي التصديق لهذه الاشاعات القاطعة الأمل، المعدمة الثقة؟


لم يكن ممكناً في مثل تلك الحالة الا انضمام أفراد قلائل من المتقفين ثقافة عالية والمدركين فوق ادراك أصحاب تلك الصحف، فيبقى الوزن الشعبي الراجح في جانب ضوضاء اولئك الصحافيين المنافقين. اذن لم يكن بد من هز تلك المكانة الزائفة التي تمتع بها مدة طويلة الصحافيون المذكورون وأمثالهم المارقون من الوطنية العارون من كل عاطفة قومية شريفة حتى يرى الناس على أية قصبات مرضوضة تقوم. ولكن الزعيم أخذ بالحزم في هذا الموقف ولم يشأ أن يكون البادىء بالحرب لعل أولئك الأشخاص القادرين على النفع وعلى الضرر يجدون مؤنباً من ضميرهم ويستفيق وجدانهم لعطمة الروح الذي يقيم العظام الرميم، حتى ابتدأ الأعداء الداخليون يبدون المقاومة علناً ويجهرون بالدعوة ضد الحركة السورية القومية الاجتماعية ويؤيدون بعضهم بعضا، كما بدأ المدعو رشيد سليم الخوري الملقب "بالشاعر القروي" يتعرض للنهضة السورية القومية الاجتماعية في خطبه في المولد النبوي وفي أحاديثه الخصوصية في الاجتماعات العائلية وفي القهاوي وفي المناطق التي يتجول فيها لأعماله التجارية في البرازيل، وكما أخذ ايليا أبي ماضي يدافع عنه ويشد أزره في جريدته "السمير" حين تناول هاني بعل قيمة ذلك المتشاعر الأدبية، وكما قام عبد المسيح حداد صاحب جريدة "السائح" يؤيد أبي ماضي ويدس في مقالته عبارات تثير الشبهات في أمر الحزب السوري القومي الاجتماعي ونشأته وغايته. فكان لا بد من القيام بحملة قومية اجتماعية معاكسة تتناول الجبهة كلها وتنزع من الأعداء الداخليين الصيت المكتسب بالتدجيل وتظهر الباطل الذي يستندون اليه وتقيم في نفوس المغتربين وأوساطهم الواسعة حصوناً من الفكر الصحيح في الأدب والفن والحياة تتكسر عليها نبالهم – كان يجب أن تكون الحملة القومية الاجتماعية كلية، كاملة لأن أسوأ الانتصارات هي الانتصارات غير الكاملة فلو لم تتناول "الزوبعة" ترهات أبي ماضي وسفسطة حداد لكان قال الناس قد هاجمت النهضة المراكز الضعيفة في الجبهة ولكنها تهيبت المراكز القوية وخشيت الانخذال فأحجمت وهذا القول كان وحده انتصاراً لأعداء أنفسهم.


لم يكن بد من أن تقيس الحركة القومية الاجتماعية سيوفها (على الطريقة الاسبانية)الفكرية مع سيوف أهل السفسطة والنفاق والمآرب الذاتية. ورأى الزعيم ذلك وأدرك ببعد نظره الاستراتيجي- التحريكي، ان التردد في هذا الأمر يضعف مركز الحركة القومية الاجتماعية أمام الشعب المراقب المعركة ويشجع الأعداء على تماديهم. فتناولت "الزوبعة" مع استمرارها في نشر مقالات "جنون الخلود" وبعد الفراغ منها، أمر ابي ماضي ونظراته الشعرية ومقاييسه الفنية ونفاقه الصحافي، ثم عرضت لعبد المسيح حداد حين حاول هذا، الانتصار لزميله وصاحبه ابي ماضي. وانجلت المعركة عن انتصار بيّن لا جدال فيه لقوة حركة البعث القومي والاصلاح الاجتماعي التي يقودها انطون سعاده. ومع انه لم يقض على الأعداء بالمرة فقد تطايرت صفوفهم وتقصمت الجبهة التي حاولوا تكوينها وهم الآن يحاولون التعويض عن بعض خسارتهم بالانصراف بكليتهم الى الدعوة "للوطن الثاني" والدعاوة لأحد المحورين المتحاربين.


المؤسف في أمر الحرب التي رآها سعاده، قبل حدوثها بسنوات، وأعلن وهو بعد فبي البرازيل انه لا يكره حدوثها، اتن عدداً من القوميين الاجتماعيين وبينهم بعض المسؤولين، لم يدركوا أهمية ذاك الصراع التاريخية والنتائج الخطيرة المترتبة عليه. وبدلاً من أن يندفعوا في الاتجاه الذي أشارت به القيادة العليا، أخذوا يتورطون في تفسيرات بعيدة عن المسائل الجوهرية. وصاروا يتوهمون انه باظهار مبلغ الفساد العظيم في مؤسسات الشعب العتيقة وفي ضلال شخصيات الجيل البارزة تتضرر النهضة القومية الاجتماعية، لأن النفوس في اعتقادهم ستيأس وتقطع الأمل. وهو رأي ضعيف، لأن الحزب السوري القومي الاجتماعي بمحاربته عناصر الفساد والتضليل، يقيم البرهان القاطع على أن روحاً جديداً محيياً قد اتجه نحو تنين الزذائل والقبائح ليهلكه وينجي الأمة من أنيايه وسمومه وأخذ على نفسه تطهير هيكل القومية المقدس من باعة الحمام والصيارفة وأصحاب الربا وازالة الأصنام التي تغرر بالجيل وتغريه بالاستمرار في التسكع للأوهام.


لا نعود لهذا المثل لندد بأولئك الرفقاء المخلصين بل لنستخرج العبر ونوضح الموقف وخلاصة ما نريد أن نقرره هنا: ان الحرب هي طريق كل دعوة اصلاحية جديدة الى النصر. وكل حركة رامية الى انشاء عهد جديد تهمل أهمية الصراع وشحذ العزائم للبطش بكل باطل وكل فاسد وتضحي الحمية والمرؤة وعواملها النفسية من أجل اعتبارات "أدبية" ومجادلات هي حركة لا تعرف مهمتها التي وضعتها العناية في عنقها.


الحرب هي كلمة التعارف عند القوميين الاجتماعيين والحرب الحاضرة لحركتنا هي ما قرر الزعيم منذ البدء: أن تكون في الداخل أولاً لتوحيد الأمة وانقاذها من المفسدين والمقلقين والمنافقين والسفسطائيين وجعلها جبهة واحدة متماسكة متراصة تجاه الأعداء الخارجيين كائناً ما كان جنسهم وأياً كان مصدرهم.


جميع الرفقاء القوميين الاجتماعيين، الواعين، المدركين، العاملين – رؤوساء ومرؤوسين – يجب أن يعملوا بنظام ويحاربوا، كل فئة في جبهتها، أعداء النهضة الداخليين، بالقلب واللسان والقلم واليد والرجل. يجب عليهم أن يسكتوهم في مجالسهم ويشهروهم في الصحف. وقد رأينا القوميين الاجتماعيين في الوطن يصفعوهم ويركلونهم حيثما ثقفوهم، ليعلم الناس ان الحركة السورية القومية الاجتماعية ليست مجرد "فكرة" بل عقيدة وأيماناً وفلسفة، وانها ليست أقل من كل ذلك فعلاً!


قال الزعيم: الحركة السورية القومية الاجتماعية هي حركة مهاجمة لا مدافعة. والزحف يجب أن لا يتوقف الا قدر ما يقتضيه تطهير المناطق من فلول الأعداء وعصاباتهم وجواسيسهم، وتحصين المراكز وأخذ الأهمية للتقدم الجديد.


آمنوا واطيعوا وجاهدوا!


لا تبغوا السلم حتى يتم النصر الكامل ولا تستخفوا بالأعداء الى أن تسحقوهم!



"الزوبعة"، العدد 63، في 15 تموز 1943.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2025