إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

شق الطريق لتحيا سورية جزء 1

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1937-07-12

إقرأ ايضاً


اخيراً وجدت الامة السورية نفسها في النهضة القومية التي اوجدها وقادها الحزب السوري القومي. ومتى وجدت امة نفسها فقد وجدت حقوقها ووجدت السبيل الى هذه الحقوق.

منذ فقدت سورية سيادتها المطلقة بزوال الامبراطورية السورية السلوقية، ومنذ عادت ففقدت سيادتها النسبية بتغلب العباسيين على الامويين وبطلان كونها مركز الدولة الدينية في الامبراطورية الاسلامية تعاقبت على سورية قرون من الخضوع للسيادات الاجنبية المتوالية عليها فافقدت اهلها كل معنى من معاني القومية والسيادة القومية وساعد اختلاف المذاهب الذي منيت به على افقادها كل سبب من اسباب الوحدة الاجتماعية وكل طموح الى القوة السياسية التي يجدر بها الحصول عليها. وكان من نتائج تعاقب عصور الخضوع وحلول التصادم الاجتماعي الداخلي ، المسبب عن تزاحم الجماعات الدينية، محل التعاون الاجتماعي الذي هو الطريقة الاساسية لحفظ حياة المجتمع وشخصيته وتأهيله للتقدم في مراقي العمران والتقدم، ان الاجيال السورية اخذت تتوارث امراً واقعاً وحالاً راهنة فتحسبها حادثين طبيعيين لا مفر منهما وتجتهد في توفيق حاجاتها لهما، فرأت الطبقات العليا ان تبحث عما يرضي المسيطر الاجنبي فتفعله، بائعة مصالح الطبقات العاملة وسلمت الطبقات الدنيا امرها للقدر .

في هذه الحال التي عرفت فيها الامة السورية استعبادين: الخضوع للاقطاعي المتحكم في رقاب الفلاحين وخضوع مجموع الامة للطاغية الاجنبي، نام الوجدان القومي في سورية نومه العميق وأضاعت الامة شخصيتها في الشخصيات الدينية المتضاربة المصالح وفي المؤسسات اللاقومية، وفي اثناء نوم الوجدان القومي ظلت المؤسسات الاجتماعية العتيقة مستمرة في عملها الكلاسيكي حتى كادت العقلية السورية تتحجر تحت مؤثراتها المحدودة الخالية من اي منبه او حافز لتجديد الحياة وظلت الامة السورية في غفلة عن اخطار تنازع الحياة والتفوق بين الامم .

تحت هذا النير المزدوج من الخضوع وقفت الثقافة السورية عند الحد الذي كانت قد بلغته، فلم يحدث في سورية اي تطور جديد لا في الثقافة المادية ولا في الثقافة النفسية فلا الزراعة اكتسبت شيئا ولا الصناعة زادت ولا العلم ازداد ولا الفنون ارتقت. وظلت الحياة تجري ضمن مؤسسات المذاهب الدينية والاقطاع ومشيخة العشائر في بعض الانحاء فلا يفتح سوري عينيه الا على طائفته او عشيرته او سيده وكان اساس الحياة الاجتماعية: اما الطائفية واما العشيرة وكان اساس الحياة الاقتصادية الرق للاقطاعي وبعض المهن الحرة والتجارة التي لم تكن تستند الى صناعة محلية .

ان نتيجة نظام اجتماعي اولي هي بقاء الحياة في حالة اولية وعدم تجدد المؤسسات الاجتماعية يعني اطراد الحياة على وتيرة واحدة وتحجر الانظمة الاجتماعية. ومما لا شك فيه ان مؤسسات حياتنا الاجتماعية المذكورة انفا هي مؤسسات عتيقة تصلح لحاجات الامة الا اذا بقيت الامة جامدة لا تريد ان تتقدم خطوة واحدة عن الحد الذي كانت قد بلغته في العصور القديمة.

والواقع ان الامة السورية ظلت جامدة بينما الامم الاخرى ترتقي في تحسين حياتها وعمرانها وثقافتها. وكانت النتيجة ان انعدمت المثل العليا النفسية انعداماً تاماً واصبحت الحاجات المادية الاولية محور الحياة .

ولما آذنت السلطنة العثمانية بالتفكك اتجهت انظار الدول الكبرى الى سورية وابتدأت تنشئ معها علاقات ثقافية فكانت البعثات الدينية والعلمية وكان هم هذه البعثات بذر بذور نفوذ الدول التي تنتمي اليها فتزاحمت تزاحما شديدا وكانت كل واحدة منها تعلم السوريين عن عظمة امتها وتاريخها وجغرافيتها فتحببها اليهم وترهبهم بعظمتها. واتفقت هذه البعثات كلها على تعليم السوريين المبادئ الانسانية العالمية وكره الحرب وعلى اظهار ضعفهم المادي والمعنوي بالنسبة الى اممها العظيمة الغنية بمواردها، القوية بمعداتها. فأخرجت الثقافة الاستعمارية في سورية طبقة مثقفة خالية من المثال الاعلى القومي، مجردة من الثقة بمواهب الامة السورية الممتازة معترفة بعدم جدارة السوريين بالتشوف الى السيادة القومية مقتنعة بان الحال الراهنة امر الهي او طبيعي لا مندوحة عنه ولا سبيل الى تغييره، مستشهدة بمركز البلاد الذي يجعلها مطمح انظار الدول القوية وبتعدد سلالات الأمة واديانها، منتهزة كل فرصة لاقامة الدليل على عدم جدارة الامة بالنهوض وعدم اهليتها للتطلع الى الاستقلال.

كل ذلك اسباب عملت على ابقاء السوريين في حال جماعات متفرقة متنابذة تتحرك بدوافع الحاجات الاقتصادية الاولية وتزاحم بعضها بعضا من اجل هذه الحاجات، وعلى استنفاد المواهب السورية العالية وقوى السوريين في اعمال الاقتصاد الفردي او العائلي، وفي سياسة العائلات والطوائف.

...

يتبع

نشر هذا المقال في مجلة "الجمهور" تاريخ 12 تموز 1937.




 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024