إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

خطاب أول آذار 1938 الجزء الثاني عشر والاخير

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1938-03-01

إقرأ ايضاً


أن إنشاء المؤسسات ووضع التشريع هو أعظم أعمالي بعد تأسيس القضية القومية لأن المؤسسات هي التي تحفظ وحدة الاتجاه ووحدة العمل وهي الضامن الوحيد لاستمرار السياسة والاستفادة من الاختبارات. بواسطة مؤسساتنا الحزبية المنظمة تمكنا من القضاء على الفوضى وترقية خططنا وأساليبنا. ولولا مؤسساتنا القوية ونظامها المتين لكانت العوامل الشخصية الأنانية التي برزت في بعض الظروف تمكنت من تسخير جهاد ألوف السوريين والسوريات لمطامعها.

كثير من الناس لا يعملون شيئاً عن أعمالنا ولا يفقهون طبيعة الأعمال الإنشائية العظيمة يقولون: "ماذا فعل الحزب السوري القومي وماذا يفعل؟" هكذا كانوا يتساءلون قبل انكشاف أمر الحزب السوري القومي "وماذا يعمل سعاده وما شأنه؟"، أما الحزب السوري القومي، فقد حقق الآن يقظة سورية ونهضتها القومية. وأما سعاده فليس بغافل لحظة واحدة عن مصلحة الأمة.

لم يبق أمام الذين أفلسوا من كل سياسة وطنية أو قومية صحيحة غير "القضية العربية" ستاراً بعجزهم الفاضح وللخسائر الوطنية الفادحة التي جلبتها على الأمة سياستهم العقيمة. أما نحن فقد قضينا على الخرافة القائلة إننا شرقيون وإن مصيرنا يجب أن يكون كمصير الشعوب الشرقية، نحن لا ندخل في عداد الشعوب الشرقية. نحن مصدر ثقافة البحر المتوسط الذي صيرناه من قبل بحراً سورياً تحمي مراكبنا سبله وتحمل إلى شواطئه الشمالية والغربية والجنوبية ثقافتنا واختراعاتنا واكتشافاتنا.

أيها القوميون!

أن تغلب الحزب السوري القومي على الصعوبات العظيمة، التي وضعت في سبيله وإثباته أفضليته للبقاء واستعادته معنوياته المثلى وتثبيت مؤسساته بعدما لحق بها من تهديم تجعلكم الآن تشعرون أن لكم كياناً قومياً وإنكم قد جددتم صفة أمتكم التعميرية وجلدها العظيم في سبيل حقها وأهدافها العليا.

وإذا كان الحزب السوري القومي يشعر اليوم أنه أقوى وأمتن من أي زمن سبق فهذه الحقيقة نتيجة عودته إلى آدابه وتقاليده المثلى ونتيجة تطهيره من الجواسيس ومن الذين أرادوا أن يجعلوه مطية لأنانياتهم.

إن أكثر الذين طردوا من الحزب السوري القومي كانوا انتهازيين تأتي مطامعهم قبل القضية القومية. وبقاؤهم في الحزب بعد ظهور غاياتهم وخياناتهم كان يجعل قضية الحزب في خطر دائم، هنالك عدد من الناس يظن أن طرد الخائنين والمتلاعبين هو غلط أو سابق لأوانه فيقول "أنظروا كيف صبر هتلر أو غيره على الذين كان يشعر بخيانتهم لقضيته" وهم يعنون أن نصبر على الخونة إلى أن ننال النصر، فأجيب على هذا الظن أن الأسباب التي عندي تختلف عن الأسباب التي هي عند غيري وقد تساهلت مع الانتهازيين ما وجدت إلى التساهل سبيلاً فلما رايتهم يعرضون الحزب للخطر أقصيتهم، وإني أوصيكم بالقضاء على الخيانة أينما وجدتموها، لأنه إذا لم نتخلص من الخيانات لا نبلغ الغاية.

والمجتمع الذي يحتضن الخيانة ويفسح لها مجال الحياة مجتمع مصيره إلى الموت المحتم، وإني أعرف جيداً ما أقول وما افعل، والعناية عينها التي أسست بها الحزب وأنشأت مؤسساته أسهر عليه وعلى هذه المؤسسات لتعطي النتيجة التي أنشئت لها.

والآن وقد تغلبنا على الصدمات الأولى وثبتنا مؤسساتنا فإننا نرى طريقنا واضحاً ونلتفت إلى ما حولنا بثقة تامة بالنصر، فكل ما يجري الآن على مرسح السياسة إنما هو تدجيل، ففي لبنان يتراشق الحكوميون والمعارضون وليس من وراء هذا التراشق أية فائدة للشعب، وكذلك الحال في الشام، ونحن نقول أن الأمة ليست محتاجة لإسقاط هذه الوزارة وتأليف تلك الوزارة، بل هي بحاجة لتغيير الكلاسيكيين العفنين وأساليبهم الفاسدة. إن المدرسة السياسية القديمة يجب أن تزول كلها وتحل محلها مدرسة السياسة القومية لكي يمكن الإصلاح. وما أقوله في صدد لبنان والشام أقوله في صدد فلسطين، فالسياسيون الكلاسييكيون هناك لم يتمكنوا من إيجاد أي دفاع مجد يصد الخطر اليهودي، لأن أساليبهم لا تزال من ذلك النوع العتيق المسيطر فيه الصفة الاعتباطية والأنانية المغررة للشعب.

ولابد لي من التصريح في هذا الموقف أن الخطر اليهودي هو أحد خطرين أمرهما مستفحل وشرهما مستطير، والثاني هو الخطر التركي. وهذا الخطران هما اللذان دعوت الأمة السورية جمعاء لتأييد الحزب السوري القومي في مناهضتهما في مواقفي العديدة منذ نحو سنتين، أما الخطر التركي فقد أصبح مداهماً بعد نزع السيادة السورية عن لواء الاسكندرون. وأما الخطر اليهودي فقد أصبح مداهماً بعد فشل ثورة 1936 وتدخل عناصر غير سورية في مسائلنا الجنوبية.

ولا ينحصر خطر اليهود في فلسطين، بل هو يتناول لبنان والشام والعراق أيضاً، إنه خطر على الشعب السوري كله، لا لن يكتفي اليهود بالاستيلاء على فلسطين، ففلسطين لا تكفي لإسكان ملايين اليهود، الذين أثاروا عليهم الأمم النازلين في أوطانها بقدر ما عملوا لقضية قومية خاصة بهم، وهم منذ اليوم يقولون: "الحمد لله أننا أصحبنا نقدر أن نمارس الرياضة الشتوية في أرض إسرائيل" يعني التزحلق على الثلج في لبنان، أيدرك الآن اللبنانيون المغرقون في لبنانيتهم ما هي الأخطار التي تهدد الشعب اللبناني؟

إنني عندما أقول: إننا ننظر إلى المستقبل بثقة تامة بالنصر، أعني أن الأمة ستكون معنا: لأن الحزب السوري القومي يمثل مصالحها وإرادتها وقوتها ولأنه الحزب الذي يهتم بمسائلها الأساسية الحيوية، بينما السياسيون التقليديون يحاولون التغرير بها بشعوذاتهم، وإننا نؤمن أن الشباب في لبنان وفلسطين، والشام لا يلبث أن يدرك أن الأحزاب التي أنشئت على غرار الحزب السوري القومي بقصد محاربة هذا الحزب، أو بقصد منع الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي الذي يريد حزبنا تحقيقه هي حرب على الأمة وضربة على الشعب. وإن أهدافها الحقيرة وعواملها الرجعية تزيد في خفضه وتقييده بدلاً من تحريره ورفعه إلى الإدراك العالي والمطالب السامية. إننا نثق بأن الشباب المستيقظ على نور القومية المرسل من الحزب السوري القومي سيدرك جيداً أن الرجعة المنظمة شر من الرجعة غير المنظمة.

إن الشعب سيدرك أن مسألة الديون لا تحل بفض مشكلة الدائن والمديون. وإن الزراعة لا تكون مورداً قومياً بواسطة مشاريع الري. وإن الصناعة لا تتحسن وتسد حاجاتنا بمجرد إعفائها من الرسوم على الآلات المستوردة. وإن التجارة لا تزدهر بتعديل القوانين التجارية، إنه سيدرك أن حل جميع هذه المسائل لمصلحة الأمة لا يكون إلا بتحقيق قضية الحزب السوري القومي.

إن نهضتنا القومية قد أصبحت أمراً واقعاً، وإننا نعمل ونثق بأنها ستحقق غايتها وتنفذ الإصلاح الذي تحتاج إليه الأمة.

تمت.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024