الجنسيات السورية واللبنانية والفلسطينية
هذه الحقيقة التي يبتهج لها الفرنسيس في سوريا لأنهم يدرون أنها سلاحهم الوحيد ويبتهج لها قسم كبير من الشعب السوري لأنه لا يدري أنها طريقة إلى الموت هي ما يجب أن يكون أول قضية تبتدئ الأمة السورية بحلها.
في الجزء الأول من سنة المجلة الماضية عقدنا مقالة عنوانها القضية الوطنية رأينا فيها بوضوح وجلاء أنه لا يوجد فروق تميز اللبناني والسوري أو بين السوري والفلسطيني وأظهرنا فيها أن أقسام سوريا الثلاثة هي أجزاء جسم كامل وأقسام أرض يعيش فيها شعب واحد تميزه عن غيره أحواله وعوائده ومدنيته وتاريخه وتوحيده هذه الأمور عينها وليس القصد أن نعود إلى سرد ذلك الآن بل القصد من هذه المقالة أن نبين خرق الرأي القائل بالاستقلال على طريقة القطع والبتر فنحن نقول أن الاستقلال التام على هذه الطريقة غير ممكن في مدة أجيال طويلة فضلاً عن أنه استقلال إذا تم كان أسوأ استقلال وأقل أنواع الاستقلال شأناً في التاريخ ولا يليق بأمة ينتظر منها متى تمكنت من نيل استقلالها التام بدون تجزئة أو بتر أن تلعب على مسرح السياسة والعمران دوراً هاماً.
يوجد في العالم مجانين كثيرون يقولون بأمور غريبة لا يدركها إلا المجانين مثلهم ولكننا لا نعتقد بوجود عاقل واحد يقول أن تقطيع سوريا على هذه الصورة التي وضعتها لها الدولة الفرنسية تنفيذاً لمآربها هو غاية ما يمكن الأمة السورية أن ترمي إليه أو أنه أفضل لها من بنائها جسماً واحداً كامل التركيب ويطلب من العقلاء الآخرين تصديق ذلك.
قلنا أننا لا نريد في هذا البحث العود إلى الادلاء بالحجج على أن الجنسية السورية واحدة في دمشق وحلب والعلويين وجبل الدروز ولبنان وفلسطين وسائر أقسام سوريا الأخرى بل ما نريده هنا هو تأكيد الضرر الكبير الذي يعود من تقسيم الأمة السورية إلى دويلات متعددة لها جنسيات متعددة.
المعروف حتى الآن فيما يختص باستقلال الأمم أن الاستقلال يقوم على قوتين تنظمان في علمين، أما القوتان فهما قوة الرجال وقوة المال وأما العلمان فهم علم السياسة وعلم الحرب وكل بحث في الاستقلال لا يكون مرجعه هذين العلمين لا يمكن التوصل فيه إلى نتيجة مرضية لذلك يجب علينا أن نبحث في استقلال سوريا بالاستناد إلى هذين العلمين الأساسيين.
...
يتبع
"المجلة" السنة الحادية عشرة، يونيو 1925
|