أيها الرفيق العزيز،
تسلمت كتابك الأخير المؤرخ في 22 آذار الماضي وتقريرك الأول والتقرير المختص بمنفذية اميركانية والوثائق والمنشورات والبيان المختص بها وقد وصلت كلها كاملة في حالة اعتيادية. وفي مساء اليوم الذي تسلمتها فيه تفرغت لها وانكببت عليها وصرفت بضع ساعات اقرأ واستوعب ما فيها. وقد شعرت بارتياح داخلي عميق لحصول هذه الصورة الجلية لحالة الحزب السوري القومي الاجتماعي العامة ووصولها إلي ولحصول التقرير عن منفذية اميركانية وقضية الأمين فخري معلوف. واني اهنئك بما لك من حدة ذهن وتفكير ممتاز ومعرفة بالقيم.
منفذية اميركانية – كنت دائماً اشعر انه كان يمكن ان يفعل في سبيل تقدم الحركة السورية القومية الاجتماعية في المجموع السوري في اميركانية أكثر مما فعل حتى الآن. ومن رسائل الأمين فخري معلوف السابقة كنت أرى انه لم يجر أي مجهود حقيقي مستمر هناك، من طراز المجهود القومي الاجتماعي في الوطن، لافهام مغتربينا في ذلك القطر حقيقة النهضة السورية القومية الاجتماعية وتسهيل اعتناقها للعناصر الصالحة والاجتهاد في اكتساب هذه العناصر. السنتان الاوليان اللتان قضاهما الأمين فخري معلوف في اميركانية كانتا سنتي اجتهاد في الدروس الفلسفية المدرسية التي شاء الأمين معلوف التخصص فيها، فلم يستطع، وهو في جامعة ميشقن، من القيام بأي عمل عمومي سوى الاحتكاك الأولي ببعض الأشخاص والصحافيين السوريين، ولعل أهم ما قام به في سبيل الحركة والقضية القومية كان تحدثه الى بعض أساتذة الجامعة عن الحركة ومبادئها ونظامها وترجمته الميادىء والدستور الى الانقليزية ترجمة جيدة وزياراته واشنطن ومحادثته للمكلف بشؤون الشرق الادنى في وزارة الخارجية ومناقشته اياه في تأويل بعض أنظمة الحزي وسياسته.
في المدة المذكورة كانت رسائل أمين معلوف تتراوح بين التفاؤل والتشاؤم تراوحاً لم يخل من تناقض. فبينما هو يبدي في أحد كتبه وقوفه على امكانيات للعمل القومي الاجتماعي الواسع بين المغتربين اذا به في رسالة أخرى يستنتج ان الامكانيات قليلة وان الأمل باكتساب عناصر صالحة وكثيرة ضعيف جداً. وكنت الاحظ ان رسائله هي دائماً نتيجة وضعيته الخاصة، فهو اذا كان منصرفاً بكليته الى دروسه وأعماله في الجامعة وبيئته، احتاج الى تعليل جمود الحالة بضعف الامكانيات فيصف بعد السوريين والمغتربين عن الشعور الوطني القومي واندماجهم في البيئة الاميركانية وعدم سهولة العمل معهم. واذا وجد فرصة ونشط للعمل القومي واحتك ببعض الأوساط السورية وتبادل الرأي مع جماعة، تبدت له امكانيات العمل فأرسل يصف الامكانبات الجيدة ويتفاءل بنتائج العمل الجدي، وبعد انتقاله الى كمبردج واتصاله بالرفيق ج . ش. الذي هو قريب له، على ما أخبرني، ووجود الرفيق م. أ. مضافاً الى تخلصه من واجبات الدرس لنوال الشهادة، أظهر نشاطاً محموداً وكنت عينته منفذاً عاماً فعمل على تشكيل مديرية "الاسكندرون" والقى خطباً ومحاضرات وأوجد حلقة ثقافية لدراسة أصول العقيدة السورية القومية الاجتماعية، على ما أخبرني، وتمكن من جمع مبالغ مالية محدودة قدمت لمكتب الزعيم فكانت المساعدة المادية العملية الأولى في اميركانية وبلغت كلها، على ما أذكر، نحو ست مئة او ثمان مئة دولار وهي كل ما ورد مكتب الزعيم من مساعدات من اميركة الشمالية.
ولكن نشاطه الأول أخذ يضعف بالتدريج فلم تتحقق وعوده بزيادة عدد مشتركي "الزوبعة" باستمرار. ولم يهيء رحلات اذاعية للوصول الى عناصر جديدة، واتجاهه نحو الدراسة والتدريس جعله بعيداً عن الجهاد والعمل السياسي ثم كان اتكاله على الرهبان الذين وجد فيهم سفينة الانقاذ لحالته المادية وما صاحب ذلك من الاندماج الكلي في عقيدة المذهب الكاثوليكي في جميع أصوله الدينية والسياسية وانتهى به الأمر الى الانحراف عن جادة المبادىء السورية القومية الاجتماعية ومحاولته جعل العقيدة الكاثوليكية مهيمنة على العقيدة القومية الاجتماعية والى شلل عمله القومي شللاً تاماً منذ نحو سنة.
...
يتبع
صدر عن مكتب الزعيم، في 6 ابريل 1946
ولتحي سورية
خاتم وامضاء الزعيم
|