إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الحزبية الدينية في سورية وويلاتها ج 3

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1943-07-15

إقرأ ايضاً


تبتدىء العريضة بتوكيد تعلق المحمديين "بمبدأ الوحدة" من غير أن تعين أية وحدة تعني هل هي الوحدة السورية ام الوحدة العربية. ولكننا نرجح انها تعني الوحدة السورية، غذ لا يوجد بين الطوائف المحمدية في لبنان من يرفضها الا ان يكون ممالئاً او نفعياً. ومع ترحيبنا بقكرة الوحدة السورية التي هي الفكرة الوحيدة التي تمثل حقيقة شعبنا وتشق له طريق السيادة والارتقاء أياَ كان مصدرها ومهما كانت العوامل الوقتية الدافعة اليها عند فئات معينة، فلا يمكننا ازالة النفرة من الأسباب الدينية التي تدفع فئة "المجلس القومي الاسلامي" الى طلب الوحدة التي ترى فيها غير الوحدة الدينية، كما هو واضح من أغراض العريضة وحججها، ولا محو الاشمئزاز من الالتجاء إلى سلطة أجنبية ومن الاستناد إلى نصوص معاهدة فرضت على الشعب فرضاً بحيث يكون الاستناد الى المعاهدة اعترافاً بها.

تنتقل العريضة إلى بحث مسألة المهاجرين من لبنان الذين هم سوريون ويجب الاحتفاظ بجنسيتهم السورية او بالهويات الفرعية التي جزأت الارادة الأجنبية سورية إليها فتتناول هذه القضية الحيوية الخطيرة من وجهة نظر ديني بحت وتجعل نظام لبنان الطائفي الموقتالأساس اللازم لبخثها. فتقول تلك الفئة الرجعية انه بما انه نسبة عدد الطوائف بعضها إلى بعض هو الركن الأساسي الذي يقوم عليه نظام لبنان الفاسد فإن استبقاء جنسية المهاجرين من لبنان يجب ان لا يكون ويجب أن لا يكون لهم اشتراك في مسائل لبنان لكي يتسنى للطوائف المحمدية أن تكتسب حقوقاً أوسع في المجلس. وهذا الرأي يفتح قضية من أغرب القضايا التي تتصارع فيها القومية والمذهبية الدينية. فإن طلب ترك ما يزيد على مئة ألف مهاجر يمدون أهلهم وأقربائهم في الوطن ومشاريع الوطن نفسه بالمساعدات ويمكن أن يكونوا قوة لوطنهم في الخارج وفي الداخل لهو من أدعى الأمور إلى الدهشة لما فيه من الغفلة عن المصالح القومية العامة في مجرى التاريخ وفي المستقبل القومي الذي يجب ان تذوب فيه قضية "نسبة عدد الطوائف بعضها الى بعض" في قضية "النمو القومي وحشد القوى السورية جميعها في الداخل والخارج لشق طريق الحياة والسيادة والسؤدد لسورية".

تحتج العريضة بالقول ان البيان الوزاري لم يشتمل على خطة صريحة لاعادة المهاجرين إلى وطنهم. وأصحاب العريضة لا يفهمون ان حفظ الجنسية هو شرط أولي لإمكان العودة في الظروف المناسبة وان مشروع استقدام المغتربين ليس أمراً يمكن الحكومة اللبنانية تقريره، لأنه يتناول مسائل اقتصادية خارجة عن صلاحية الحكومة اللبنانية "التي لا سيادة لها تخولها البت في هذه المسائل. وليس صحيحاً أن أصحاب العريضة يرحبون بعودة المغتربين المسيحيين الذين يزيدون نسبة عدد الطوائف المسيحية، لأنه ما دام الموضوع قائماً على "نسبة الطوائف بعضها إلى بعض" فلا يوجد طائفة تشتهي أن يزيد عدد غيرها لا زيادة حقيقية ولا زيادة وهمية. ومسألة عودة المغتربين تتطلب تشريعاً لحماية الرسمال القومي. وهذا أمر لا تملكه الحكومة اللبنانية ولا الحكومة الشامية ولا أية خكومة بلدية أقامها الاستعمار المسمى انتداباً. فكم من مغترب عاد إلى وطنه ليوظف رسماله فيه فخسر ما حصله في عقود من السنين بالكد والكدح وكم من مغترب عاد إلى المهجر يائساً، حزيناً، لأنه لم يجد ما يضمن له توظيف ماله في وطنه ليحيا ويعمل فيه! فإلغاء جنسية هؤلاء المغتربين الأمناء لوطنيتهم، لأنهم لا يتمكنون من الاقامة والعمل في وطنهم، أمر لا يستند إلى حق ولا تسوغه الروحية القومية الصحيحة ولا تقبله غير عقلية "النسبة الطائفية".

تتطرق العريضة الى الاستناد إلى معاهدة لوزان الجائرة التي تعتبر مؤامرة على وحدة الشعب السوري وعلى القومية السورية وقواها في الخارج لتثبت ان لا وجه لإعادة النظر في مسألة المغتربين الذين لم يسجلوا اسماءهم في القنصليات الفرنسية ضمن المدة التي نصت عليها معاهدة لوزان المشؤومة. ولا يريد أصحاب هذه العريضة الغريبة في بابها ان يبحثوا الدواقع الوطنية الت يدفعت كثيراً من المغتربين إلى الاحجام عن تسجيل اسمائهم في القنصليات الفرنسية. قأكثر المغتربين الذين لم يسجلوا اسماءهم امتنعوا عن التسجيل لاستغرابهم ما تفرضه عليهم تلك المعاهدة المذلة لابائهم من الخضوع للتدابير الفرنسية والالتجاء الى القنصليات التي كان لها في معاملتهم قضايا لا مجال لفتحها الآن. وبين رافضي التسجيل عدد من المغتربين المحمديين والدروز فجميع هؤلاء القوميين الشرفاء يجب أن يخسروا جنسيتهم وحقوقهم في وطنهم لأن الفئة التي عاملت مواطنيهم المغتربين معاملة الإهانة والتحقير وعلى جميع الاتفاقات التي تحرم الأمة السورية جماعة كبيرة قوية من أبنائها بينهم مئات وألوف من غير المسيحيين فأصحاب العريضة يريدون أن يضحوا كل الاعتبارات القومية وبجميع السوريين في الخارج من أجل تأييد ارتفاع "النسبة الطائقية" إلى ما يشاؤون منها!.

لا غرو، فهذا هو منطق "القومية الدينية"!

...

يتبع

"الزوبعة"، العدد 63، في 15 يوليو 1943.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024