إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

سياسة الدول المتحاربة في العالم العربي ج. 2

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1943-02-15

إقرأ ايضاً


يقيم الحاج امين الحسيني، الآن، متردداً بين برلين ورومة. وكلما كان هنالك لزوم لبروزه على مرسح السياسة في الأقطار العربية فسحت محطات الاذاعة الالمانية والايطالية المجال "لتصريحاته" ونقلتها شركات المحور البرقية. وهذا ما جرى بمناسبة احتلال الانقلوسكسون مستعمرات فرنسة المحمدية العربية اللسان. فقد وجه الحاج أمين الحسيني إلى شعوب هذه المستعمرات نداء ليجاهدوا ضد الانقليز والاميركان ويقاوموهم. ولكن الحاج الحسيني لا يسأل ما هو مصير هذه المستعمرات بعد الحرب وفي حالة انتصار المحور الالماني – الايطالي، هل يكون أحسن من مصيرها في حالة انتصار المحور الانقلوسكسوني؟

كما يستغل المحور الالماني – الايطالي النعرات الدينية المحمدية والحاج أمين الحسيني وشكيب أرسلان وأمثالهما، كذلك يستغل المحور الانقليزي – الأميركاني هذه النعرات عينها والشيخ تاج الدين الحسيني والأمير عبدالله بن الحسين الهاشمي والعائلة النشاشيبية وعبدالاله الهاشمي وغيرهم. وكما استغلت فرنسة النعرات الدينية المسيحية والاكليروس الماروني كذلك تستغل ايطالية هذه النعرات عينها وقسماً من الاكليروس الماروني الذي يتردد على رومة وعدد من الرجال المسيحيين أمثال يوسف السودا الذي هو بين المسيحيين في سورية بمقام شكيب أرسلان بين المحمديين.

حتى الأميرال درلان أخذ يفكر في مصير "الاسلام" ويهتم بأمره حين أخذ يتحول من رجل حرب إلى رجل سياسة. فقبل مقتله بأيام قلائل وجه خطاباً إلى المحمديين يدعوهم فيه إلى التضامن مع فرنسة ونصرة الأمم المتحدة.

كل سياسي أجنبي له مأرب استعماري في بعض أقطار العالم العربي يجعل الاهتمام بأمر "الاسلام" مطية إلى مأربه. وفي برلين تختم كل إذاعة باللغة العربية بالهتاف "الله ينصر الاسلام" والمأجرون للدعوة الالمانية مكلفون بخدع المحمديين الذين لا يزالون بعيدين عن الادراك القومي المنفصل عن العقائد الدينية بالقول لهم ان "النظام الجديد" الذي يقول بن المحور الالماني – الايطالي ليس شيئاً آخر غير العمل بالنصوص المحمدية وتعميم الدين المحمدي في العالم. ويستشهد هؤلاء المأجرون على صحة دعواهم بما تذيعه محطة برلين من الدعاء بنصر "الاسلام". ولكنهم يكتمون عن الناس سر ابقاء هذا الدعاء قاصراً على الاذاعة العربية. وإذا سألهم أحد عن ذلك قالوا "لأن الظروف لا تساعد الآن" او "أن الوقت لما يحن"، لأن الأمم الخارجة عن سلطة المحور المذكور يجب أن لا تعلم "الحقيقة". ولكن يوجد أمم كاليونان وصقالبة الجنوب وتشغوسلباكية وبولونية ودول البلطيك تحت حكم هذا المحور فلماذا لا يبدأون بتنفيذ الدعوة المحمدية فيها وتوحيد المحمديين في العالم فيصبحون قوة عظيمة تنصر الدين وتمهد لمجيء الساعة؟!

إن هذه الدعوات جميعها لدليل على مبلغ احتقار الدول الاستعمارية الكبرى مدارك الشعوب التي لا تزال تجهل ما هو الفرق بين القومية والدين وبين الأمة والجماعة الدينية وبين السياسة والعقائد الدينية. وعسى أن لا تجد هذه الدعاوات ضحايا كثيرين في أوساط السوريين.

تمت.

"الزوبعة"، العدد 60، في 15 فبراير 1943.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024